19.38°القدس
19.02°رام الله
17.75°الخليل
23.56°غزة
19.38° القدس
رام الله19.02°
الخليل17.75°
غزة23.56°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: عائلة قلبي

أتذكرون ذلك الصديق في أول صف من صفوف المدرسة؟ لقد اقتربتما من بعض وتعارفتما بالاسماء الاولى وبدأتما اللعب، أصبحتما فريقا اذا سألته أمه من صديقك في المدرسة أجاب باسمك وأجبت باسمه عند سؤال أمك التي كنت تقاسمه سندويشة من صنع يديها وما يجود به مطبخها من زوادتك، لم تعرف أصله ولا فصله ولا شجرة العائلة ولكنك كنت مستعدا أن تتلقى لكمة وركلة وشدة شعر لأجله فهو محسوب عليك وأنت كذلك، لقد كان ذلك الصديق الذي ربما نسيته الان من عائلة قلبك الذين اخترتهم ولم تشب عن الطوق بعد، الذين اخترتهم ببراءة وطهر يبحث عن القبول والاحتضان والأمان دون أغراض أخرى فقلبك بعد لم يعرف الالم ولا الخداع ولا الحسابات، هذا الصديق الأول الذي كان معك على الحلوة والمرة هو من تظل تبحث عنه بقية حياتك! نكبر ونفقد التلقائية ويتضخم شيء من الانا في نفوسنا ويصبح الاقتراب من الناس أصعب والتعارف له قواعد وأصول واتيكيت، وحتى هذه لو تبعتها قد لا تحظى بصديق مخلص تستطيع منحه ذلك المكان الأثير والنسب الغالي لتقول عنه هذا أخي وهذه أختي! ليس تحيزا للإسلام أبدا ولكن المنصف لن يجد دينا حفظ هذه الدرجة من الصفاء الإنساني في العلاقات مثله فعاش بعض الصحابة أخوة في الدنيا وجمعهما الرسول في قبر واحد شهداء ينتظرون منبرا من النور يغبطهم عليه النبيون. في الثقافات الأخرى صارت قصة قيصر وبروتوس مثلا على خيانة الصديق وان من مأمنه يؤتى الحذر، وظلت عبارة الاستنكار وعدم التصديق «حتى أنت يا بروتوس» تتردد كلما غدر صديق بصديق تسلية للنفس وتذكيرا بأن الكثيرين تجرعوا الكأس وأكلوا الخنجر من قبل! أما الاسلام فجاء بمنظومة مختلفة تماما جعلت لأتباعه عائلات جديدة يختارهم الإنسان بكامل إرادته ليصبحوا رحما من نوع مختلف لبرهم أجور لا تقل عن رضى الرحمن وبلوغ الجنان فقد جاء في الحديث عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِرِجَالِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: وَالرَّجُلُ يَزُورُ أَخَاهُ فِي نَاحِيَةِ الْمِصْرِ لا يَزُورُهُ إِلا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» هذا في الزيارة فقط فكيف لو كانت حياة بكل دقائقها وتفاصيلها؟ عائلة قلبك من اخوتك هم من أحبوك لذاتك، بتكوينك الفريد وقبلوك على علاتك إلا أن تكون في غير مرضاة الله فيجتهدون في إصلاحك والجميل انك تستجيب لهم وتسير معهم وتذل لهم دون وساوس الانتصار للنفس في الخطأ والإعجاب بالذات ولو على غواية. عائلة قلبك هم من عرفوك على بساط الفقر والجهل قبل المال والألقاب والعز والجاه والانجازات فأحبوك فردا وافتخروا بك كذلك عندما أصبحت رمزا وقدوة وسيرة ذاتية طويلة كالمعلقات، بل تجدهم ينتسبون اليك أمام الناس بفم ملآن قائلين «فلان صديقي»، وهم في حياتك مرآة تحتاجها ومرساة تتوازن بها، هم الذين تقرنهم بأيام الخير والبركة والتجرد في حياتك، هم أهل أول وهم الذين تتنهد حنينا لهم وأنت تقول «سقى الله أيام زمان»، هؤلاء المتواجدون دائما في ساحة قلبك، طوافون كالملائكة، بهم تبدأ الصباحات، الشمس تشرق بهم حتى في اليوم الغائم، بضخهم المدد في قلبك يبدأ جسمك بالعمل فستعذب الخبز والملح برفقتهم وتصبح بصلة المحب خاروفا ومأدبة كاملة! حتى الليل معهم ليس له ظلال سوى المحبة والدفء والأنس والاجتماع على طاعة تقرب وتوثق العرى ولو كانت الأجساد متفرقة في أصقاع الأرض! عائلة قلبك لديهم رزنامة خاصة بك لا ينسون أيامك الحلوة ولا تفتقد وجودهم في أتراحك، بهم يتوسع الفرح ويزهو ويقيمون من أنفسهم جدارا عازلا بينك وبين الحزن، هؤلاء سيفك ودرعك والسهم الأوثق في كنانتك. هؤلاء الذين لا تحتاج منهم لإثبات محبة ولا تأكيد مودة ولا اختبار صدق لأنهم فوق المعايير كلها بل هم يعيدون وضعها واختراعها كل يوم من أيام حياتك، هؤلاء لديك عندهم رصيد لا ينتهي كلما سحبت زاد ولست مضطرا حتى للرد بالمثل فالمحبة عندهم غير مشروطة وليست قرضة ودين كما باقي الناس! من وجد مثل هؤلاء فليصنف نفسه في سجلات الأغنياء وأصحاب الملك فقد اشتكى المأمون برغم السلطان والغنى من غياب مثلهم في حياته فأنشد أمامه مخارق مرة قول أبي العتاهية: وإني لمحتاج إلى ظل صاحب يروق ويصفوإن كدرت عليه فقال المأمون: أعد ما قلت. فأعاده سبع مرات, فقال المأمون: يا مخارق خذ مني الخلافة، وأعطني مثل هذا الصاحب! عائلة قلبك التي يجمعك بها عهد تعال نؤمن ساعة وساعات لن تفر منهم يوم القيامة بل سيكون أجمل اللقاء الموعود بهم «اخوانا على سرر متقابلين» قليلون هم بأوصافهم الجليلة ومهامهم الثقيلة ولكن من أدركهم فقد أدرك شيئا من قرة العين في الدنيا.