19.38°القدس
19.02°رام الله
17.75°الخليل
23.56°غزة
19.38° القدس
رام الله19.02°
الخليل17.75°
غزة23.56°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: مشاكلنا الكثيرة .. بين الاستعصاء والحل

أولا , لست من الذين يحبون أن يتكلموا بلغة انفصالية عن غزة : مشاكل غزة ..حصار غزة .. معابر غزة, حتى هؤلاء الذين يحاولون أن يسوقوا أنفسهم أنهم(في صف غزة مقابل الضفة) , يروجون الكثير من المضامين التي تعزز الانقسام السياسي والنفسي , حتى صاروا يخرجون علينا ب(أهل غزة) و (شعب غزة) !! حماس تشكي من مظلومية غزة , وفتح /غزة تشتكي من فتح الضفة .. وهلم جرا . اقتطاع مشاكل غزة من مشاكل الوطن هو إحدى العقد التي يجب حلها . على كل , ليس هذا موضوعنا !! (1) مشاكل بنكهة خاصة موضوعنا أن غزة ذات نكهة خاصة في كثير من الأشياء : الحروب , الأزمات , الخلافات الداخلية , المشاغبة اللامنقطعة , الحضور الدائم في وسائل الإعلام ... غزة اليوم تعيش حالة مضطربة ..رمادية , متقلبة .. تعيش أزمة - بل وتغرق في أزمات متلاحقة ومركبة. لقد تحولت إلى طاحونة تمزج المشاكل والأزمات يبعضها البعض فتخرج لنا كوكتيلا لا نعرف أوله من آخره !! حتى أن الناس تعودوا عليها وأصبحت جزءا من حياتهم وتفكيرهم , وربما تكون قد تسللت إلى جيناتهم فاستوطنت فيها!! ما أن ننتهي من مشكلة إلا وتخرج لنا أخرى .. وما نودع من أزمة إلا و تفاجئنا اكبر من أختها .. حتى أضحت سلسلة طويلة لا نهاية لها . اليوم تهجم علينا مشاكل المصالحة (المنكودة) المتعثرة .. والحكومة المتأرجحة .. والاعمار الغامض ..والصداع المزمن (اللامتناهي) بين حماس فتح .. والمعابر المغلقة , ثم نفاجأ بتفجيرات غبية / مجرمة تعيد تجديد حالة الصدمة والذهول !! إن هذا الواقع المرير لا يمكن تبريره ولا يمكن أيضا احتماله . لا يمكن أن نبقي أهل قطاع غزة في (طنجرة ضغط) ثم نطلب منهم أن يحتملوا ويتحملوا !! هنالك الكثير من الأخطاء والخطايا التي ترتكب, منها ما هو سياسي , ومنها ما هو إداري ومنها ما هو عبثي غير مفهوم , حتى أضحى السؤال الذي يرن في شوارعنا (وين رايحة؟) . أغلب الناس يقولون (داحلة), دلالة إما على اليأس أو على التسليم بواقع مرفوض. (2) المتهمون كثر والقاضي غائب !! من المسئول عن هذه الأزمات (المصائب) الكثيرة وتوالدها ؟ سؤال لا يجد له الكثيرون جوابا . هناك من يمتهنون حرفة توزيع الاتهامات بعلم أو بغير علم. ساحة غزة أصبحت ساحة تطفح بالاتهامات والشكوك وبعثرة الأوراق . غدا الحليم حيران , وتنافس البعض في الحصول على سبق "الضربات الإعلامية " باعتبارها (الحل السحري) المخرج من الأزمات فإذا به يزيد الطين بلة . هناك من يلقي باللائمة على الرئيس باعتباره المسئول الأول والمنوط به تحمل المسئولية الكاملة وتقديم الحلول , وهناك من يلقي باللائمة على حماس ويتهمها بأنها تشكل حكومة ظل ولا تريد أن تتزحزح عن تشبثها بحكم غزة ويستحضرون مقولة أبو العبد (خرجنا من الحكومة ولم نخرج من الحكم) , وهناك من يلقي باللائمة على حركة فتح باعتبارها عمود السلطة وان الحكومة حكومة الرئيس وأنها مترددة في التعاطي مع مشكلات غزة من منظور سياسي وتريد أن تبقى غزة غارقة في المشاكل .. وهناك من يرى بان المشكلة أصلا في المصالحة التي ولدت عرجاء أنتجت حالة مشوهة ملخبطة , وجاءت بمولود خداج غير مكتمل فرض على الساحة الفلسطينية أمراضا مزمنة . ألف تفسير وتفسير وألف أصبع للاتهام . جهات الاتهام الواقفة في القفص كثيرة, وفي ظل غياب قاض (مرجعية) نزيه قادر على الحكم والحسم تجعل الناس (سكارى) , تدور رؤوسهم تارة نحو فتح وتارة نحو حماس , وتارة تبحلق في الفضاء مشدوهة أو هاربة من غياب الأجوبة . الرئيس أبو مازن أصبح لا يثق بحركة حماس وأصبح يتعامل معها بخصومة كبيرة ومحتدة , ودخلت فتح على الخط وشاركت في الهجوم على حماس وإلصاق تهم كثيرة بها , قابلته حماس بهجوم إعلامي مماثل واتهمت الرئيس بأنه يضع غزة ومشاكلها وراء ظهره , ووصل إلى حد التهديد بسحب الثقة من الحكومة واعتبارها غير قانونية , , فيما الفصائل الأخرى ومؤسسات المجتمع المدني تتفرج على المشهد . (3) مشكلة المشاكل مشكلة غزة (التي لا ترتاح) أنها دائما متوترة , متوثبة , مليئة بالأسئلة ..مليئة بالشكوك ..مليئة بالقلق . ما مر على غزة من حروب وحصار وخلافات وانقسام جعلها أشبه بحالة مزمنة , وكأنها غير قابلة للحل . هذا بالرغم من الحراك والنشاط (الهرموني) العالي من لقاءات واجتماعات ولقاءات ومؤتمرات , لكن في نهاية المطاف تجدنا (كأم العروس) نقبض على الهواء, فلا مشكلة تحل بشكل نهائي ومرضِ, ولا أزمة تروح بلا رجعة . من حسن طالعنا أن المشكلة الصغيرة تكبر ,والكبيرة تفرخ لنا عشرا !! حينما (انتهى) الانقسام اعتقدنا أننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق (الصحيح), فإذا بنا نفاجأ أننا نسير في متاهة , وإذا بعشرات الألغام ومئات الأسئلة المجهولة تلقى في وجوهنا , حتى بات من يعتقد أن الانقسام حي يتنفس وأنه يتشكل كما يتشكل الجن !! . تولدت عشرات الأزمات المركبة . فالحكومة تشتكي أن كلا من حماس وفتح رمتاها في أتون مشاكل لا قبل لها بحلها , من موظفين ورواتب وغيرها .. وحماس تعتقد أنها سلمت مقاليد الحكم للرئيس عباس ونأت بنفسها عن دوائر صنع القرار , وقدمت مرونة عالية في اغلب القضايا التي طرحت عليها , وفي نفس الوقت ترى ان فتح تتلكأ في المصالحة وتماطل في الاعمار وتتحايل في موضوع الحكومة والموظفين ومصيرهم. حماس وصلت إلى (حالة الغليان) وبات تهجم في الإعلام على الرئيس وعلى فتح والحكومة بشكل غير مسبوق بل وتفكر في خيارات تعيد ترتيب الأوضاع . أما فتح فلا تزال (تضع في رأسها) أن حماس تطبق يدها على مفاصل الحكم في غزة وتمنع بسط الحكومة سيطرتها وتمارس سياسة إعلامية قوية وجارحة ومشككة في الرئيس والحكومة ,ومن ثم فأطلقت يد ناطقيها تصب الزيت على النار . لا أحد يثق بالأخر ..ولا احد يريد أن يسمع من خصمه . وجود المشاكل شيء طبيعي في الحياة , من اصغر البني إلى أكبرها , لكن المعضلة في كيفية معالجتها وحلها . هناك من يفكرون بالمشكلة أكثر ما يفكرون بالحل .. ينقبون فيها ..يضعون الكثير من علامات الاستفهام ويحللون ويصنعون لأنفسهم تفسيرات خاصة وضيقة . هناك من ينحرف في حل المشكلة فيجعلها بدل الواحدة عشرة , ويجعل من (الحبة قبة). وهذا لب مصيبتنا في الحالة الفلسطينية . بصراحة : أما أننا لا نريد حل المشاكل أو أننا نجهل حلها ..أو كلا الاثنين معا !! غالبا ما نبدأ معالجة المشاكل أولا في وسائل الإعلام- كنوع من الاستعراض - فتكبر المشكلة وتتفاقم , ومن ثم نستصعب حلها . والحمد لله لدينا الكثير من (العباقرة) الذين يتبرعون (بالحكي) والشرح والتحليل والتوصيف . نحن لا نعرف أن نجلس طويلا في الغرف المغلقة نتحاور بهدوء وصبر واناة حتى نصل إلى حل المشكلة (من شروشها) .. بل نحل ظاهرها ونبقي جذورها في الأرض .. لا نعرف كيف نرتب سلم أولوياتنا ثم نبدأ حل المشاكل بالتدريج , الواحدة تلو الأخرى .. لا يمكن أن نحل مشاكلنا بالتقسيط على عشرة أو عشرين سنة !! نحن لسنا بنك أو شركة تجارية نقرض الشعب حلولا صغيرة . نحن لدينا وطن وقضية . نحن لا نعرف كيف نساعد بعضنا البعض في إيجاد المخارج , ولا نعرف كيف نتجاوز عن سقطة هنا أو عثرة هناك ... سرعان ما نلتقط السقطة ولا نرحم مرتكبها .. نحن لا نعرف الستر ولا العفو وسرعان ما تتسلل فضائحنا إلى الفضائيات ... إذن كيف سنحل مشاكلنا؟ كيف نحل مشاكلنا ونحن نعزز في صفوفنا عدم الثقة بالآخر ولا يمكن أن نتقاسم معه الوطن ؟ كيف نحل مشاكلنا ولا زالت تعشش فينا فكرة أننا خطان متوازيان لا يلتقيان ؟ كيف سنحل مشاكلنا ونحن متخمون بالشك إلى درجة الثمالة !! إن محاولاتنا بائسة مبكية ؟ . من يعتقد أنه يمكن حل المشاكل في ظل استمرار وتفاقم أزمة الثقة(الصداع) بين حماس وفتح فانه واهم . أن غياب الثقة يدمر الكثير من الجسور ويصنع المشكلات بدلا من حلها ويزرع الضغينة بدلا من مفهوم التعايش . إن مشاكل الحكومة والموظفين والاعمار في ظاهرها إدارية فنية , لكنها في الأصل مشكلة سياسية تتوزع بين القطبين الرئيسين , حماس وفتح . ما لم تحل أزمة الثقة بينهما ستبقى المصالحة ضعيفة هزيلة , وستظل الحكومة معلقة .. وسيظل مشوار الاعمار طويلا ومرهقا . ليس من سبيل آخر وكل من يبحث عن بدائل أخرى إنما يسبح في بحر من الوهم . لا تتحدثوا في الغرف المغلقة لوحدكم فإنها تعكس فقط صدى صوتكم . هناك من الناس من هو همهم (أو فرحهم) أن يظهر أنه على صواب والآخر على خطأ بغض النظر حل المشكلة أم لم تحل .. فلتبق الأمور معلقة وليبق الوطن مشنوقا على خشبة الخلافات الوهمية المصطنعة .. لنبق نجرد سيوفنا في وجوه بعضنا بدل أن نفتح صدرونا ونجهد في تصويب خصومنا , ورحم الله الإمام الشافعي حينما قال (والله ما جادلت أحدا إلا وأحببت أن يظهر الله الحق على لسانه). الوطن الجريح لا يحتمل الشماتة ..ولا يحتمل لغة الصغار . الوطن يريد قادة كبار : كبار في العقل , كبار في الصبر , كبار في الحكمة .. كبار في احتواء الجميع . ليس الكبار الذين يجرون وراء استفزاز هنا او هناك ..وليس الكبار الذين يشغلون أنفسهم في حسابات صغيرة..وليس الكبار الذين يحسبون ان الوطن لا يتسع إلا لهم . إذا بقينا هكذا سنظل في مستنقع المشاكل والأزمات أبد الدهر !! (4) مدافع الإعلام هذا مرضنا المزمن الذي لا شفاء له !! ما يعقد الأزمات أكثر هو افتقاد الآلية (العقلانية) الإدارية / الفنية المتخصصة لحل المشاكل, ما أسهل أن تعقد مؤتمرا صحفيا أو تطلق تصريحا لكنه مثل الريحان ريحها طيب وطعمها مر. ليس من الذكاء ولا من الشجاعة إرهاق الشعب بإلقاء المشاكل في حجره, بل الشجاعة إن تنتزعها من حجره لتخفف الأثقال من على ظهره . إن بعض القيادات تهرب من المعالجة المهنية التي تستلزم الوعي والصبر وطول الاناة وتذهب سريعا إلى (بريق) الإعلام الخادع لتصب في حضن الشعب أطنان من المشاكل , وهذا الشعب (الغلبان)مش عارف يتلقاها من ولا من وين !! الكل يشكي همه للشعب .. طيب والشعب يشكي لمين ؟؟. إن أسوأ جرم يرتكبه المشاركون في تأزيم مشاكل غزة أنهم يوهمون أنفسهم بان سلاح الإعلام يمكن أن يريح ضمائرهم ويخليهم من المسئولية , ولا يعرفون انه لا يمكن أن ينتج لهم إلا مزيدا من (الضغط) و(السكري) والذبحات السياسية والمجتمعية !! لست أريد هنا أن أخوض في تفاصيل المشكلات المعروفة للجميع , لكني أقول إن طريقة معالجة المشاكل خطأ بل جريمة . إن الإعلام ليس هو المكان المخصص لحل المشاكل, بل الغرف المغلقة التي تستدعي الهدوء والفكر والعقل والمصلحة الوطنية لتقديم حلول ومشاكل . كان من المتوقع أن يكون الإعلام- ونحن في مرحلة التحرير والمعاناة - بلسما وعنوان رحمة وساحة للالتقاء والانفتاح والحوار .. وان يرتق الخرق ويضمد الجرح ويلم الشعث ويزرع الأمل ويقارب بين وجهات النظر, لكنه مع الأسف سار في اتجاه معاكس تماما , وجرنا في متاهات بعيدة وصحاري مقفرة. لقد خدش صورتنا وكشف سترنا وشوه نضالنا وأظهرنا دوما بمظهر المتناحرين المتخاصمين دوما, الكارهين لبعضنا ,المتهمين لأنفسنا بأسوأ أنواع الاتهامات.. (5) الحل مشاكلنا يمكن حلها , ليست هي بالخيالية ولا بالمستحيلة , بل ان كثيرا منها يمكن حلها ببساطة جدا , بقليل من الصبر وكثير من الفهم .لسنا بدعا من الامم والشعوب التي حلت مشاكل أعقد بكثير مما لدينا . لست خبير إدارة أزمات , لكني مقتنع أن السياسيين – إذا صدقوا وأخلصوا في نياتهم – فان لديهم جيوشا من الإداريين والفنيين القادرين على مساعدتهم في معالجة هذه المشاكل العالقة . أولا/ نحن بحاجة إلى (تهدئة) وامتصاص الاحتقان وتنظيف الساحة الفلسطينية من حالة الفوضى الكلامية ومن الغبار السام الذي ملأ الأجواء . هذا يتطلب من كل من يمسك بمنصة الإعلام أن يكون أكثر عقلانية وأكثر حرصا على التجميع . أن لغة السباب والاتهام لا تزيد مجتمعنا إلا رهفا وعذابا وحيرة , ولا تنتج إلا تعقيدا للمشاكل . نريد (العقلاء) الذين ألسنتهم وراء قلوبهم ..يفكرون جيدا ويعملون بصمت وصبر , بدون ضجة وبدون استعراضات كلامية . ثانيا / هنالك الكثير مطلوب من الرئيس أبو مازن لإعادة تصويب الحالة الفلسطينية ,وعدم تركها نهبا للخلافات والصراعات . مطلوب من الرئيس ان يتدخل أكثر ..يفعل أكثر ..ويبذل جهدا أكبر في احتضان واستيعاب الحالة الفلسطينية واجتذاب كل الأطراف وفتح الخطوط والتشاور معها وعدم إبقائها على الهامش . من المهم إلا يستعجل الرئيس في الحكم على الأمور بالاعتماد على تقارير غير موثقة تزيد من الهوة بينه وبين حماس وتوصلها إلى درجة القطيعة . كما مطلوب منه تعديل خطابه الإعلامي ليكون أكثر اجتذابا وأقل إثارة للمشاعر . ثالثا / حماس مطلوب منها مزيد من الصبر, لان طريق المصالحة وتمكين الحكومة وتنفيذ الاعمار شاق ومعقد وبحاجة إلى معالجة واقعية .أيضا مطلوب منها خطاب إعلامي ايجابي (جذاب) ومقنع وغير صدامي , كما مطلوب منها إعطاء إشارات ايجابية أكثر في معالجة المشاكل القائمة من خلال طرح حلول واقعية وعملية (وليس مجرد الشكوى والتذمر) وتجنيد قوى سياسية ومجتمعية . ليس من مصلحة حماس فتح أكثر من جبهة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة وليس من مصلحتها أن تظل الساحة الفلسطينية متوترة. التهديد بالبحث عن الخيارات والبدائل لا ينبغي ان يتحول إلى سيف مسلط بقدر ما ينبغي أن يكون محركا في الاتجاهات الايجابية . المقال طال كثيرا وأجد نفسي مضطرا لتلخيصه في سطر : يمكن معالجة مشاكلنا لو أحسنا بناء الثقة بيننا ولجمنا الإعلام واستعنا بالخبراء وتحلينا بشيء من الصبر والحكمة , وساعدنا بعضنا في تفتيح المسالك المغلقة . الفرصة قائمة والوقت لم يفت بعد .