في ظل ظهور بعض الاختلالات النفسية والسلوكية أنظر بعين النقد الى بعض التصرفات التربوية التي نشأ عليها أجيال من المتدينين والمحافظين في النظرة نحو الجنس الآخر والتعامل معه فكثرة المنع والضغط دون فهم وقبول تؤدي الى الانفجار ووضع الموانع دون اعطاء البدائل قد يجر الى الزلل! لا تتكلم، لا تتكلمي، لا تمش(ي) بنفس الممر، غير(ي) المقعد اذا كان بجنبك شاب، لا تجلسن في الصفوف الامامية، اكتبن الاسئلة ولا تطرحنها، لا تتلفظوا بأسماء الشباب، ولا لا لا لا ولا وسلسلة من اللاءات ما زلت أقدرها حتى الان وأرى أنها في زمانها حفظت لنا شيئا جميلا يسمى الحياء وان الحذر في سن الشباب أوجب مخافة ان يؤدي التساهل الى ما تحمد عقباه!! نعم خرجنا الى المجتمع على نفس الحال وعانينا في البداية من رهبة لا يمكن ان توصف بالورع، فالورع يعطيك الثقة ولا ينزعها منك مهما ورد عليك من الشبهات ومهما كثرت عليك التحديات، هذه الرهبة كانت من الجنس الاخر، من الحساسية المفرطة وكأن كل رجل او كل فتاة هو زوج او زوجة محتملين وكأن البشر لا يتعاملون في سياقات انسانية دون ان تكون النظرة والكلمة محشوة بقنبلة فتنة ستنفجر في وجه صاحبها! وللاسف وجدنا ان التعامل مع المتدينين بالمفهوم الفطري البسيط اسهل احيانا من المتدينين الملتزمين او ابناء خط تربوي معين، فبعض الشيوخ او المستشيخين ينظرون للانسان ككائن تتحكم به نوازعه وشهواته وينسون ان أصل الفطرة الطهارة ثم يزينها العقل ويكملها الايمان ولولاها لرغب الرجل بنساء الارض كلهن وطالبت المرأة والعياذ بالله بتعدد الأزواج! لما طالبنا الدين بأن نغض من أبصارنا كان الخلق الظاهري مرتبط بأصل في القلب لذا جاء في الحديث ان من غض بصره وجد حلاوة في قلبه ويتبع ذلك ان من اطلقه فقد هذه الحلاوة فإذن الاصل في القلب ثم يظهر في الجوارح والا فما ينفعك ان تخفض بصرك حتى تكاد تصطدم في الحائط ويظن الناس بك التقوى وأنت تتمنى في قلبك ويسرح بك الفكر وصدق الشاعر اذ قال: واطراق طرف العين ليس بنافع اذا كان طرف القلب ليس بمطرق لذا فتحصين القلب والعقل يتبعه بالضرورة تحصين الجوارح ويشهد بذلك قصة العابد من بني اسرائيل التي اغوته البغي فظل يصارع جوارحه بقوة قلبه وايمانه حتى استجابت له جوارحه وأيده الله وصرف عنه، فالاخلاق الظاهرية ان لم يكن مبدؤها في القلب والعقل فهي معرضة للانهيار عند اول اختبار، وأحد اختبارات الشباب المتدين انه بمجرد ان كتب كتابه، وهو في عرف المجتمع لم يتزوج بعد، يندفع اندفاعا طائشا خارجا عن حدود العقل بسبب الكبت غير المنطقي والعقلاني السابق وكأنه حصان جامح انفلت عنه العقال على أقل وصف محترم! طيب اذن ما الحل؟! نسمح بالعلاقات ما قبل الزواج؟! نسمح بالانفلات والتفلت؟! وكأننا يجب ان نكون بين نارين لا بين رحمتين فإما ان نقع في الحرام واما ان نضغط أنفسنا لنتحول الى كائنات جنسية لا ترى أمامها سوى تحقيق شهواتها؟! لقد اعطانا الدين حلولا حتى لا تكون الشهوة والغريزة محور حياتنا واهتمامنا وتركيزنا فنوع لنا العبادات والمناشط والاهتمامات حتى تتوزع طاقاتنا الروحية والجسدية على اختلاف ميادين الحياة ولا تبقى أسيرة جانب واحد، فارشد الاهالي الى تعليم اولادهم سورا خاصة من القرآن للذكور والاناث والتركيز عليها وعلى تمثل محاورها ثم ركز على السباحة وركوب الخيل للاولاد وغيرها من المجالات التي تكفل ان تتوزع عليها الاهتمامات والقوة وحتى في اسوأ الحالات جعل الرسول لصاحب الحاجة غير القادر على انفاذها مخرجا بالصوم، والعالم المتذوق لفوائد واسرار الصوم النفسية والجسدية سيعلم ان العلاج المطروح يطفئ جذوة الاشتعال ويشغل النفس ويقيها، أمرنا الله أن نستعفف والعفة خلق هادئ، رزين في نفس مطمئنة ساكنة لا تشتعل على نكشة! اذن فالآخر ليس كائنا فضائيا وليس كل كلمة معه آثمة ولكن الميزان حساس، كذلك فكلمة في غير موقعها حتى لو كانت بريئة في قلب فيه طمع مريض كارثية، لذلك تكون النظرة بقصد والكلمة بقصد ونفس صاحبها سليمة متوازنة تنظر لكل الرجال كإخوة وأخوات يُبذل لهم ما يبذله المرء لاخوانه واخواته من الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة والمعونة على الدنيا والدين. اذا لمست يد امرأة بالخطأ فلن يفقدك الدين وضؤوك لان الله كان ارحم بك من نفسك فلم يكلفك فوق طاقتك وقد جعلك مسلما طاهرا لا تنجس معنويا ابدا! يا ترى عندما كانت المرأة المحجبة تخرج في شوارع المدينة المنورة تصلي الفجر وتبيع وتشتري وتعلم، وقد ذكر الدكتور الندوي ان النساء كان لهن حلقات في المسجد النبوي في عصور الخلافة، هل كانت تخاف من نفوس الرجال وما يبطنونه؟! ألم يكن في المجتمع خبث ايضا؟! هل نحن ملائكة ام اننا نمر باحوال فتنة وابتلاء والسعيد من عالج نفسه قبل ان يستشري في قلبه خبثها وتطفىء نور الفطرة السليمة فيه؟ هل هي معجزة ان نحلم بمجتمع نظيف قلبا وقالبا لا يتحرك شيطانه على نكشة او لمسة خاطئة او نظرة؟! شعث القلب والعقل بحاجة الى ان نلمه سريعا ونشتغل بأكثر من شهواتنا اذا كنا نؤمل في يوم ما ان نقوى على اعدائنا، الذي لا يضع حدا لشهواته حتى بالحلال، فالانغماس حتى في كثير الحلال والمباح منهي عنه، سيبقى مفتوحا قلبه وعقله وجسده لنزوات تلو نزوات تدمر اكثر مما تعمر حتى لو كانت مغلفة بالحلال في ظاهرها فالصحابة كانوا يتركون ثلاثة ارباع الحلال مخافة الوقوع في شيء من الحرام. يجب ان نربي قلوبنا على الاكتفاء الذاتي وطهارة القلب والمراجعة والمحاسبة وان ننظر فيما استخدمنا الله فنشغل انفسنا فيه، من لم يجد نفسه مع نفسه ومع ربه اولا سيظل تائها ناقصا حتى لو اكتملت له كل عناصر الحياة الظاهرية وجمع حوله كل النساء والملذات.الطهارة والقناعة والكفاية والنظافة موقعها في القلب اولا ثم تنعكس على الجوارح. الموضوع شائك والقصد فتح باب للنقاش وتنبيه التربويين واطلاق استغاثة وزامور خطر، اما الاماني والدعاء فعلى لسان الشاعرة هيام الضمور: ما دام ربك حافـــــــــــــــــظا للمــــــــــــــرء في خلواتـــــــــــــــــــه فهوالذي يرعـــــــــــــــــــــــــاه يحمي القلب من شهواته حتى وإن «نكشته» أفكار تلهـــــــــــب من لذاتــــــــــــــــــــــــه ستظل طاهرة جوارحه تزيـــــــــــــــــن من كلماتـــــــــــــه سمت العفيف إذا غدا أوراح في سكنـــــــــــــــاتــــــــــــــــــه
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.