إن كان ثمة من يبحث عن مؤشر على رسائل الطمأنة المتبادلة بين حزب الله والكيان الصهيوني، فإن الخطاب الأخير الذي ألقاه أمين عام الحزب حسن نصر الله مؤخراً وردود القادة الصهاينة عليه يمثل أوضح دليل على ذلك. فعلى الرغم من أن نصر الله استثمر مساحة كبيرة من الخطاب في تهديد الكيان الصهيوني بشكل مباشر وغير مباشر، إلا أن عبارة واحدة وردت في الخطاب دللت على صدق التقديرات الصهيونية بأن مواجهة مع الصهاينة لم تعد أولوية بالنسبة للحزب. فقد شدد نصر الله على أن حزب الله لا يسعى لمواجهة تل أبيب، لكنه لن يهرب من المواجهة إذا فرضت عليه. فلا خلاف بالنسبة للصهاينة بأن هناك الكثير من القيود التي تقلص هامش المناورة أمام حزب الله، في كل ما يتعلق بالمواجهة مع الكيان الصهيوني. وفي تل أبيب يقدرون أن حزب الله كان معنياً بطوي صفحة المواجهة على الرغم من أن رده في مزارع شبعا لم يشكل رداً يقابل الضربة الكبيرة التي تلقاها الحزب في القنيطرة، حيث تم اغتيال قيادات ميدانية في الحزب والحرس الثوري الإيراني، وهو ما شكل ضربة إستراتيجية لحزب الله، وإحباطاً لمخططه إقامة قواعد عسكرية في الجولان السوري. ويرصد الصهاينة عدداً من الأسباب التي تحث حزب الله على التهدئة مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، يكاد لا يختلف اثنان في تل أبيب على أن الحفاظ على نظام الأسد يقف على رأس أولويات الحزب في المرحلة الحالية، على اعتبار أن الإبقاء على هذا النظام يمثل انجازاً جيوإستراتيجياً مهماً له ولإيران، لأنه يضمن للإيرانيين الوصول لشاطئ البحر الأبيض المتوسط، ويضمن للحزب عمقاً يمكنه من فرض هيمنته على لبنان. فحسب ألون بن دافيد، معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة الصهيونية العاشرة، فإنه ليس فقط إيران وحزب الله معنيان بألا يفضي التصعيد الأخير إلى تهديد فرص النظام على البقاء، بل إلكيان الصهيوني أيضاً. ونوه بن دافيد إلى أن آخر ما تفكر به القيادة الإسرائيلية هو أن يؤثر التصعيد مع حزب الله على موازين القوى القائمة بين النظام السوري ومعارضيه. وأشار إلى أن تل أبيب غير معنية بأن تستفيد قوى المعارضة السورية من الضربات التي يمكن أن توجه لحزب الله، الذي يلعب دوراً مركزياً في الحفاظ على بقاء النظام. وأشار بن دافيد إلى أن إسرائيل ترى في بقاء النظام السوري ضعيفاً منهكاً يقاتل على وجوده، أفضل من سقوطه ووقوع سوريا تقع في قبضة جماعات لا يمكن مراكمة الردع في مواجهتها. في الوقت ذاته، يدركون في تل أبيب أن حزب الله لم يعد يتمتع بالحاضنة الداخلية التي كان يتمتع به خلال حرب 2006، مما يجعله مكشوفاً في حال خاطر بفتح مواجهة ضد إسرائيل. وفي ذات السياق، فإن محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تدرك أن ترسانة الصواريخ الخاصة بحزب الله تشكل تهديداً إستراتيجياً للعمق الصهيوني مخصصة بشكل أساسي للرد على أي هجوم صهيوني يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، وهذا ما يفسر إصرار إيران على الاستثمار في تعزيز هذه الترسانة. وهناك في إسرائيل من يرى أنه بالإمكان التعاون مع حزب الله وإيران في مواجهة تهديدات مشتركة، وأن المواجهة بين الجانبين ليست قدراً. وعلى سبيل المثال، يدعو بعض المعلقين الصهاينة إلى الاستفادة من تجربة الأمريكيين الذين يتعاونون مع إيران في العراق ومع الحوثيين في اليمن. فقد دعا أمير أورن كبير المعلقين العسكريين في صحيفة «هارتس» القيادة الإسرائيلية ليس فقط لتجنب التصعيد مع إيران وحزب الله، بل أيضاً اعتماد تفكير «إبداعي» ومحاولة إيجاد صيغ للتعاون غير المباشر مع إيران في سوريا. وفي مقال نشرته الصحيفة، اعتبر أورن أن صعود تهديد الحركات الجهادية يفرض على نتنياهو عمل كل ما في وسعه للتوصل لتفاهمات مع الإيرانيين بشأن التعاون ضد هذه الحركات، دون أن يكون الأمر مقترن بتقديم تنازلات بشأن البرنامج النووي الإيراني. ودعا أورن للتعلم من «أخطاء» الماضي، مشيراً إلى أن الحماس الصهيوني لطرد القوات السورية من لبنان عام 2005 تبين أنه في غير محله على الإطلاق. وحسب أورن، فقد تبين أن الكيان الصهيوني كان أكثر الأطراف التي تضررت من الانسحاب السوري من لبنان، لأن هذا الانسحاب أدى إلى غياب الضوابط التي كان يمكن أن تمنع اندلاع حرب 2006.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.