أربع سنوات مرت على الأزمة السورية، اكتوى بها شعبنا الفلسطيني في سوريا، حيث سقط أكثر من 2600 شهيد وآلاف الجرحى، وهدمت معظم مخيمات اللاجئين، وشُرِّد اللاجئون الفلسطينيون داخل سوريا وخارجها. لم توفر هجرة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان أو الأردن أو مصر أو ليبيا أو تركيا أو حتى أوروبا لهم الحماية ولا حتى احتياجاتهم الضرورية، وعوملوا كما لو أنهم ليسوا بشراً. وبدا أنهم غير مرغوب فيهم في أي مكان ذهبوا إليهم ينشدون الحياة الآمنة الكريمة. وقفت منظمة التحرير الفلسطينية _التي يفترض فيها رعاية مصالح اللاجئين الفلسطينيين أينما كانوا_ ومن بعدها السلطة الفلسطينية، بل والفصائل الفلسطينية عاجزة عن التدخل لحل مشكلة فلسطينيي سوريا أو توفير الحماية لهم، بل وعاجزة أيضاً عن تحريك قضيتهم، حتى غدوا في غياهب النسيان، يلقون مصيرهم المظلم وحدهم. إن غياب الرؤية وغياب خطة العمل يفرضان المراوحة في ذات المكان، وعليه، فإنه لا مخرج من هذه الأزمة التي تعرَض لها شعبنا الفلسطيني في سوريا إلا بوضع تصور نظري على شكل رؤية وخطة عمل قبل التحرك الميداني، وإلا، فإن كل تحرك ميداني بلا رؤية ولا هدف ولا استراتيجيات ما هو إلا استهلاك للوقت ومراوحة في ذات المكان. مَن يبدأ الخطوة الأولى؟ هذا سؤال سهل وصعب في ذات الوقت، فمع سهولة هذا السؤال، حيث يمكن لكل فصيل فلسطيني، وكل مؤسسة فلسطينية أن تبدأ الخطوة الأولى. إلا إنه من الصعوبة بمكان بالنظر إلى التناحر الفصائلي الذي يجعل كل قضايا شعبنا الفلسطيني رهينة للتجاذبات الفصائلية والأيدولوجية، فلا يكاد أحد يحسن صنعاً ولا يجرؤ على المبادرة بفعل حميد دون اتفاق مع الآخرين. لكنّ المسؤولية الأخلاقية، والإنسانية، والدينية، والوطنية، تفرض على كل ذي ضمير حيّ أن يبادر بكل طاقته لإخراج فلسطينيي سوريا من أزمتهم بسلام. وأرى أن عدم القيام بهذا الواجب في التوّ واللحظة، وبلا تردد، إنما هو تفريط بأمانة المسؤولية وخيانة للشعب والقضية. في أي اتجاه يجب أن يكون العمل: إن مشكلة فلسطينيي سوريا أنهم بلا وطن يحميهم ويؤويهم، ولا ضمان لعودتهم إلى حياتهم السابقة، حتى لو انتهت الأزمة السورية. ومن السذاجة المراهنة على استيعاب لبنان لهم كما يرفض الأردن ذلك، ولا تقبله تركيا ولا أوروبا ولا بقية الدول في العالم. علينا التذكر دائماً أن هؤلاء الفلسطينيين لم ينزلوا من القمر ليحلوا في سوريا، بل إنهم طُردوا من أرضهم التي احتلتها إسرائيل في شمال فلسطين، من قضاء صفد وطبريا وعكا وحيفا والناصرة. إن إسرائيل اليوم هي الدولة الوحيدة التي تشعر بعدم التهديد من هجرة الفلسطينيين إليها، فهم يطرقون كل أبواب الدنيا إلا أرضهم المحتلة والتي لازالت فارغة حتى اللحظة، وهذا هو الخطأ بعينه. فلماذا تبقى إسرائيل في مأمن؟ ولماذا تنفض يداها مما صنعته للاجئين من أزمات متراكمة؟ ولماذا لا تمتثل لقرارات دولية أقرت بضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وأملاكهم، وتعويضهم عن مصابهم؟. إن تصويب الجهد نحو عودة فلسطينيي سوريا إلى موطنهم في الجليل هو الحل الحقيقي والجذري لمشكلتهم. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي الاتفاق على أن هذا هو الحل. وفي رأيي المتواضع: إن من لا يؤمن بذلك، فإنه لا يؤمن بحق اللاجئين في العودة والتعويض. وما دمنا نقول إنه حق لهم، فيجب وضع تصور نظري محْكم لآلية العودة، وكيفية إجبار إسرائيل للامتثال لها، فإن حققنا ذلك في إطار زمني تحدده خطة استراتيجية، فقد ربحنا جزءاً من قضيتنا الكبرى، وأنقذنا إخواننا في سوريا. وإن فشلنا في ذلك، نكون قد قرعنا جرس الإنذار لإسرائيل وحلفائها، وسيظهر لهم وللعالم بأنه ما لم تُحل مشكلة فلسطينيي سوريا فإن إسرائيل ستعيش أزمات متراكمة، الأمر الذي سيدفع دولاً كبرى للضغط على أطراف النزاع في سوريا لتحييد الفلسطينيين حتى لا يتم دفعهم باتجاه إسرائيل. وفي كلتا الحالتين نكون قد أسعفنا إخواننا وحركنا قضيتنا وأحرجنا عدونا، فمَن يخطو الخطوة الأولى؟.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.