16.35°القدس
16.09°رام الله
14.97°الخليل
21.26°غزة
16.35° القدس
رام الله16.09°
الخليل14.97°
غزة21.26°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: عبد الملك بن مروان في ميزان أهل الإيمان

اعتاد أعداء الإسلام، وأتباعهم من الجاهلين الأقزام، أن يتطاولوا بأسوأ الكلام، على الصحابة والتابعين الكرام، ولم يسلم من ألسنتهم وأقلامهم حتى سيد الأنام، الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. وممن نالته ألسنتهم وأقلامهم بالذم والاتهام، الخليفة عبد الملك بن مروان الذي شهد له بالفضل و رفعة المقام، خيرة الأعلام، و لا عجب أن تختلف حوله الأحكام، لأنه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل والأفهام، وسوف أبين في نقاط موجزة شهادات أولئك الكرام، و بعضاً من سيرته المليئة بالمواقف العظام. أولاً: ولد عبد الملك بن مروان سنة 26هـ في المدينة المنورة في خلافة عثمان، وعاش بين الصحابة الكرام، وتخلّق بأخلاقهم، وسار على هديهم، وروى الحديث عنهم، و أخذ العلم عنهم، حتى صار من علماء المدينة المعدودين، إذ روى الأعمش عن أبي الزناد قال:" كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان"، وقال نافع:" لقد رأيتُ المدينة، وما فيها أشد تشميراً، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان"، و كان يلقب بحمامة المسجد لملازمته له، وترجم له الذهبي كما ترجم لكبار العلماء، وقال:" ذكرته لغزارة علمه"، وقال الشعبي:" ما جالستُ أحداً إلا رأيتُ لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان"، و لاحظ عبد الله بن عمر رجاحة عقله منذ صغره، فقال:" ولد الناس أبناء وولد مروان أباً"، وأُعجب به المؤرخ العلامة ابن خلدون، فقال:" وعبد الملك صاحب ابن الزبير، أعظم الناس عدالة، وناهيك بعدالته احتجاج مالك بفقهه، وعدول ابن عباس وابن عمر إلى بيعته عن ابن الزبير، وهما معه بالحجاز". ثانياً: حرّك الإيمان العميق، والفهم الدقيق، والحماس الشديد، عبدَ الملك بن مروان وهو دون العشرين من عمره، إلى ترك الحياة الهادئة الآمنة في المدينة المنورة، والمشاركة مع الجيوش المنطلقة لنشر الإسلام في الشمال الأفريقي الذي يبعد عن المدينة آلاف الأميال، ويتطلب الكثير من الجهد والمشقة، وقد فعل ذلك، حباً في إيصال الدين إلى العالمين، ورغبة في الأجر الذي أعده الله للمجاهدين، إذ كان الجهاد وقتها فرض كفاية، ولا يشارك فيه إلا عشاق الجهاد، فقد رأيناه سنة 45هـ قائداً للجيش الخارج من المدينة مدداً لمعاوية بن حديج في بلاد المغرب، ورأيناه على رأس الفرقة التي فتحت مدينة جلولاء وسط تلك البلاد، كما رأيناه مراتٍ عدة جندياً وقائداً في غزوات المسلمين المتتالية على بلاد الروم في خلافة معاوية، وظلّ حبُّ الجهاد معلقاً في قلبه، سارياً في عروقه، حتى وصل إلى الخلافة، ونجح في توحيد الأمة، فواصله في بلاد الروم، و هزم جيشُه الجيشَ البيزنطي الذي قاده الإمبراطور جستنيان الثاني، وواصله في بلاد المغرب، حيث أرسل لفتحها سنة 69هـ القائد زهير بن قيس البلوي، وبعد استشهاده أرسل إليها القائد حسان بن النعمان، ففتح الشمال الأفريقي والمغرب الأوسط سنة 82هـ، وحولهما إلى ولاية إسلامية بعد دخول أهلها في الإسلام، وعبد الملك هو الذي اختار موسى بن نصير والياً على المغرب بعد حسان، فأتمّ فتحها وفتح الأندلس في خلافة الوليد بن عبد الملك. ثالثاً: سجل التاريخ أن موحِّدَ الأمة تحت خلافة واحدة بعد انقسامها إلى أربع دول عقب موت يزيد بن معاوية هو عبد الملك بن مروان، فقد وصل إلى الحكم، في وقتٍ كانت الأمة فيه منقسمة إلى أربعة أقسام، هي: مصر والشام تحت حكمه، والحجاز والعراق تحت حكم عبد الله بن الزبير، ودولة للخوارج الأزارقة في الأهواز، ودولة للخوارج النجدات في اليمامة واليمن وحضرموت، امتد نفوذها إلى الطائف، وكاد الشيعة بقيادة المختار بن أبي عبيد الثقفي أن ينزعوا العراق من عبد الله بن الزبير ويقيموا لهم فيه دولة. وقد أدرك عبد الملك الخطر الشديد على الأمة ودينها ومستقبلها من هذا الانقسام، إذ كان الروم ما زالوا أقوياء، يطمعون في استعادة الشام ومصر، ويتمنون سحق الإسلام وأتباعه الذين ألحقوا بهم الهزائم المتتالية، وعلم أن وحدة الأمة تحت خلافة واحدة هي الحل، وأنها لن تتحقق إلا بالقوة، وأنه لا بد من رجل قوي يقود الأمة نحو الوحدة، ويقاتل كل من يعرِّضها -بحجة أنه أولى بالخلافة من غيره- للفرقة والضعف والاستئصال، وأدرك وهو الفقيه المجتهد، والسياسي الواعي، والقائد الحازم أنَّ قَتْلَ رجلٍ واحدٍ مهما كان فضلُه أهون من فتنةٍ وفرقةٍ تدمِّر الأمة ودينها، و قرر أن يتولى هو هذه المهمة، فقاد الجيش بنفسه إلى العراق، وخاض معركة حاسمة ضد الشيعة، فقضى على قائدهم المختار الثقفي، وضمها إلى حكمه، ثم بعث جيشاً بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة، تمكّن من قتل عبد الله بن الزبير وضمِّ الحجاز إلى حكمه، ورمى الخوارج بأشد رجاله بأساً المهلب بن أبي صفرة، فكسر شوكتهم، وعادت الأمة تحت خلافة واحدة، وعادت إليها القوة والهيبة، واستقرت البلاد، وبدأت الجيوش الإسلامية تزحف في كل الاتجاهات لنشر نور الإسلام. رابعاً: أحسن عبد الملك إدارة الدولة باعتماده على ولاة أكفاء، وكان دائم المراقبة والمحاسبة لهم، مهما بلغت أقدارهم، فلم يسلم من محاسبته الحجاج بالرغم من خدماته العظيمة للدولة، ومكانته عند عبد الملك، إذ يروى أن أنس بن مالك كتب إليه يشكو الحجاج، ويقول:" لو أن رجلاً خدم عيسى بن مريم أو رآه، أو صحبه، تعرفه النصارى، أو تعرف مكانه، لهاجرت إليه ملوكهم، ولنزل من قلوبهم المنزلة العظيمة، و لعرفوا له ذلك، ولو أن رجلاً خدم موسى أو رآه، تعرفه اليهود لفعلوا به من الخير والمحبة وغير ذلك ما استطاعوا، وإني خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، ورأيته، وأكلتُ معه، ودخلتُ وخرجتُ وجاهدتُ معه أعداءه، وإن الحجاج قد أضرّ بي وفعل وفعل، فبكى عبد الملك، وبلغ به الغضب ما شاء الله، ثم كتب إلى الحجاج بكتاب غليظ، فجاء إلى الحجاج فقرأه، فتغير، ثم قال لحامل الكتاب: انطلق بنا إلى أنس بن مالك نترضاه. وبلغ عبد الملك أن عاملاً من عماله قَبِل هدية فاستدعاه إليه، ثم سأله: أقبلت هدية منذ وليت؟ قال: يا أمير المؤمنين بلادك عامرة، وخراجك موفور، ورعيتك على أفضل حال، قال: أجب فيما سألتك عنه، أقبلت هدية منذ وليتك؟ قال: نعم، قال: إن كنتَ قبلتَ ولم تعوِّض إنك للئيم، ولئن كنتَ أنلتَ مهديها من غير مالك، أو استكفيته ما لم يكن مثله مستكفاه؛ إنك لخائن جائر، وما أتيتَ فيه من أمر لا تخلو فيه من دناءة أو خيانة أو جهل مصطنع، وأمر بصرفه عن عمله. ولم يكن عبد الملك يسمح لأحد أن يداهنه أو ينافقه أو يضيِّع وقته فيما لا يفيد، فقد روى ابن كثير أن رجلاً طلب من عبد الملك أن يخلو به، فأمر من عنده بالانصراف، فلما أراد الرجل أن يتكلم بادره عبد الملك قائلاً: احذر في كلامك ثلاثاً: إياك أن تخدعني؛ فأنا أعلم بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأي لكذوب، أو تسعى إليّ بأحد من الرعية؛ فإنهم إلى عدلي وعفوي أقرب منهم إلى جوري وظلمي، فقام الرجل دون أن يتكلم بشيء. خامساً: قام عبد الملك بتطوير الدولة حضارياً، فهو أول من أصدر عملة عربية إسلامية، وحرر بذلك اقتصاد الدولة من الاعتماد على العملات الأجنبية. وهو أول من عرب الدواوين، فقد كانت لغة سجلات الدولة المهمة غير عربية، وكان العمل فيها حكراً على غير العرب، وكانت أسرار الدولة معرضة لخطر وصولها إلى الأعداء، وعندما عربها، صار موظفو الدولة من العرب المسلمين، و توفرت لهم فرصة تعلم الإدارة، و أقبل غير العرب على تعلم العربية ليتاح لهم العودة إلى وظائفهم، و أسهم ذلك في سرعة انتشار الإسلام بين العجم. كما أقام عبد الملك مسجد قبة الصخرة في القدس، وما زال قائماً رائعاً شاهداً على عظمة التطور الحضاري المعماري الذي عرفه المسلمون في عهده. سادساً: أنجب عبد الملك خمسة عشر ولداً ذكراً، وابنتين، واهتم بتربيتهم على القرآن وأخلاقه، فكان منهم خيرة الخلفاء، أمثال الوليد الذي أتمَّ في عهده فتح المغرب والأندلس والسند وبلاد ما وراء النهر، ودفعت له الصين الجزية، وأقام دولة عظمى تجمع بين التطور المادي والقيمي والروحي بأبهى صوره، وكان منهم خيرة القادة العسكريين أمثال مسلمة الذي دوّخ جيوش الروم وفتح أرضهم. رحم الله عبد الملك بن مروان، ورزق أمتنا من يوحِّد صفَّها، ويجاهدُ عدوَّها، ويحرِّرُ أرضَها، و يعزّ دينَها، ويبني حضارة الإسلام السامقة