لست أدري ما سرّ التزامن بين الحديث عن تنظيم الدولة ( داعش) في مخيم اليرموك الفلسطيني في سوريا، وبين حديث وسائل الإعلام عن اعتقالات واسعة ضد تنظيم الدولة ( داعش) في غزة؟! هل جاء الحديث عن غزة مصادفة بمناسبة اجتياح تنظيم الدولة لأجزاء واسعة من مخيم اليرموك، وطرده لمقاتلي أكناف بيت المقدس التي تتحمل مسئولية الدفاع عن المخيم، ومسئولية تحييده عن الصراع الداخلي السوري؟! لقد عودتنا الصراعات العسكرية، والسياسية، والأعلامية، أنه لا شيء يحدث هكذا، ولا شيء يتصدر الواجهة الإعلامية هكذا، وأن وراء كل صدارة إعلامية يد خفية، وعقل مفكر، ودوافع غير معلنة. لقد نفت وزارة الداخلية بغزة الأخبار الإعلامية التي تحدثت عن اعتقالات واسعة النطاق ضد داعش في غزة، ونفت أصلا وجود أعضاء لهذا التنظيم في غزة. وهنا أود تأكيد خلو عزة من تنظيم الدولة بشكل شبه تام تقريبا، لأسباب موضوعية، ومنها انخراط جلّ الشباب المجاهد في عملية مقاومة المحتل الإسرائيلي من خلال الانتماء إلى فصائل المقاومة المعروفة والتي تملأ الفراغ الذي يجذب الشباب إلى داعش. في غزة وفلسطين تتقدم فكرة تحرير الأرض والإنسان على ما سواها من القضايا الفكرية التي تطرحها التنظيمات خارج فلسطين. فالفصائل الفلسطينية لا تقاتل الأنظمة العربية، وتبحث عن المساحات المشتركة مع الآخرين لتعزيز المقاومة ضد المحتل الغاصب. ومن أراد الجهاد والشهادة فباب الجهاد والشهادة مفتوحين له في فلسطين. للعمل الجهادي في فلسطين أولويات اتفق عليها الفلسطينيون معا، وهذه الأولويات راسخة وثابتة، لأنها جيدة ومفيدة للساحة الفلسطينية والقضية الفلسطينية ، ولا تسمح المقاومة للغير بفرض أجندة بديلة تصرف المجاهدين عن فلسطين وعن الأقصى. لهذا قلنا بخلو غزة من تنظيم داعش، غير أن هذا لا يمنع من وجود تأييد فردي على المستوى الفكري أو الإعلامي، ناتج عند الأفراد عن مشاعر إحباط من قادة النظام العربي، ومن قيادة السلطة، ومن البرجماتية السياسية عند الفصائل الإسلامية القوية في فلسطين. ولكن هذه المشاعر ليست وليدة عقيدة راسخة ، وواضحة المعالم. فلا أحد في غزة يعرف جيدا كنه تنظيم الدولة وجوهره. بعد ما تقدم يمكن القول إن سرّ التزامن المحتمل يكمن في الموقف الإسرائيلي الذي سرب هذه الأخبار، ونفخ فيها، وضخمها، لكي يقنع أميركا ودول أوربا بصحة قول نيتنياهو الرافض للانسحاب من الضفة، والرفض لحل الدولتين، لأنه فسر مآلات الانسحاب بقيام دولة داعش في الضفة، وبالتالي هو يوظف كل خبر صغير وكبير من أجلّ خفضت الضغط الدولي عليه بضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، على قاعدة راسخة عند الغرب ومراكز الأبحاث الموجهة لصانع القرار والقائلة بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشجع الإرهاب والتطرف، ويغذي التنظيمات الإسلامية بالمؤيديين الدوليين، وإن حلّ المسألة الفلسطينية يساعد على تخفيض العنف والتوتر وعناصر جذب المجاهدين الدوليين لهذه التنظيمات. بعض وسائل الإعلام الفلسطينية للأسف تنشر الأخبار بلا مسئولية، ولا تحرير كاف، وتبرز ما أبرزه إعلام العدو والوكالات التي تدور في فلكه، بينما المسئولية الوطنية على المستوى الإعلام تفرض غير هذا، وكل خبر مثل هذا الخبر يحتاج الى تحرير مكافئ، وتضمينه تعليقات موضوعية شفافة تعزز الحالة الوطنية، ولا تحرض عليها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.