التحذيرات الإنسانية من واقع قطاع غزة تجاوزت التهديدات من انفجار وشيك للأوضاع، في ظل العديد من الاعتبارات المرتبطة باستمرار الحصار، وعدم إعادة الإعمار، وغياب أفق قريب لحل الأزمة المعيشية، وغياب المصالحة عن أرض الواقع، وفشل التسوية السياسية التي يتبناها رئيس السلطة محمود عباس. لذلك بعض التقديرات تحدثت عن إمكانية مواجهة عسكرية بين المقاومة والاحتلال في غزة، لكن لا يعرف من سيبادر بها، وهو ما أثار المخاوف بتجدد المواجهة بين الجانبين، والنتائج المتوقعة، وفي نفس الوقت طرحت العديد من التساؤلات حول إمكانية ذلك. الحديث عن مواجهة جاء في خط متوازٍ للحديث عن تهدئة طويلة الأمد تمتد بين 3 إلى 5 سنوات أو أكثر من ذلك بين المقاومة والاحتلال، وهو ما تنفيه حركة حماس ولم يتحدث عنه الاحتلال، وفي نفس الوقت لم يؤكده أي من الطرفين، فحماس تنفي التفاوض مع الاحتلال أو المبادرة لذلك. حماس وهي صاحبة القرار الفلسطيني فيما يتعلق بالمواجهة مع الاحتلال أو التهدئة لاعتبارات كثيرة، واقعية وشرعية، ترى أن الاحتلال فشل خلال السنوات الأخيرة في القضاء عليها، وأنها الأكثر شرعية في الساحة الفلسطينية بسبب تبنيها مشروع المقاومة المدعوم جماهيرياً. وتنطلق من مبدأ التعامل مع الاحتلال على قاعدة المواجهة ورفضها التفاوض المباشر مع الاحتلال أو التعاطي مع أي تسوية تقوم على الاعتراف بالاحتلال، لكنها تتعاطى بحذر شديد مع ما يقدم لها من عروض تقوم على أساس الدخول في تهدئة مع الاحتلال، وتخشى المس بالمقاومة وجهودها في هذا الشأن، وعدم اعتبارها جزءًا من أي مفاوضات أو تسوية مع الاحتلال. حماس تعي حجم الوضع الإنساني في قطاع غزة، وتهرُّب الكثير من الأطراف، بما فيها الداخلية، من المسؤولية، وفي مقدمتها رئاسة السلطة وحكومة التوافق، وأن الاحتلال عاجز عن مواجهتها لأسباب متعددة بينها قوة حماس، وعدم القدرة على اجتثاثها مهما أعاد المحاولة. لذلك قد ترى في الدخول في تهدئة مع الاحتلال إمكانية قائمة، لكن وفق رؤية واضحة تضمن عدم المس بالمقاومة، ولا تكون قاعدة التفاوض أو التسوية السياسية الاقتراب من الثوابت الفلسطينية، وقد يكون اعتبارها لحين التغيرات في الإقليم بحيث تكون في صالحها، أو على الأقل محايدة. الاحتلال في ذات الوقت يسعى للتهدئة مع حماس لاعتبارات ترتبط بعجزه عن مواجهتها، وهو ما عبر عنه قادة كبار في جيش الاحتلال، وكذلك في ظل اضطراب المحيط العربي وخاصة ما يتعلق بالشمال على الحدود مع لبنان وسوريا، والحدود مع مصر، وهو ما يجعله أيضاً متشجعاً لتهدئة مع حركة حماس. لكن الاحتلال يرغب بضمانات تتمثل في ألا تذهب حماس في قوتها إلى ما لا يستطيع مواجهته مستقبلاً، وتوفر سلاح رادع يخل بالتوازن، إلى جانب الدخول في تهدئة طويلة الأمد، لحين تغير الظروف المحيطة. حماس لديها ما تقوله في هذا الشأن، وقد تكون أوصلته لمن طلب التهدئة والاحتلال لديه ما يقوله في ذلك أيضاً انطلاقاً من الاعتبارات السابقة، لكن الواضح أن الطرفين يعملان على عدم الدخول في مواجهة على المدى القصير، ويمكن للتهدئة طويلة الأمد أن تمنع ذلك. لذلك حماس معنية باستقرار الأوضاع للخروج من الوضع الصعب الذي يعاني منه قطاع غزة، والاحتلال لا يحتمل مواجهة في المدى القريب، وفي الحالتين يبدو أن الأمر قد يأخذ وقتاً في الوصول إلى تقارب يعالج الأزمة بما يحقق استقراراً ولو كان مؤقتاً لحين تغير الموازين في المنطقة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.