في بيته، وعلى سريره، وتحت التوتة التي أحب، مات سامي يونس عن عمر ناهز 84 عاماً، مات الرجل الذي أمضى من عمره أكثر من 28 عاماً في السجون الإسرائيلية، مات سامي يونس وفق ما اشتهى أن يموت، بين أهله، لأن أخشى ما يخشاه الأسير أن يسلم العدو جثته إلى ذويه، لذلك كانت أمنية الرجل ألا يخرج من خلف القضبان ممدداً على ظهره، كانت أمنيته أن يرى بيته قبل الموت، وأن يلقي نظرة وداع على بلدته "عارة" مسقط رأسه. في شهر مارس من سنة 2009، ومن سجن نفحة الصحراوي، شعر سامي يونس بثقل السنين، فكتب إلى أهله وصية، يقول فيها: إذا متُّ، وتسلمتم من إدارة السجون جثتي، فلا تستعجلوا بدفني، خذوني إلى بلدتي "عارة"، واتركوني قليلاً في فناء بيتي، ثم احملوني إلى سريري الذي حرمت منه، اتركوني أنم عليه قليلاً، ثم، اتركوا جثتي مسجاة تحت شجرة التوت، اتركوني أنغمس في الذاكرة، اتركوني أودع المكان الذي أحببت بهدوء وشوق. أمس، مات سامي يونس في المكان الذي أحب، مات بعد أن تحرر من القيود، مات الرجل مديد القامة، نحيف الجسد، الذي تعرفت عليه في سجن عسقلان سنة 1986، حيث كان يفيض أملاً بالحرية، ويطفح هزءًا بالدولة العبرية. لقد أدرك سامي يونس أن أرض فلسطين ملك للشعب الفلسطيني، لذلك غضب كثيراً حين اعترف البعض بفلسطين أرضاً لليهود الغاصبين!! ولا سيما أن الرجل قد حمل سلاحه، وقاتل في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين، ولم يرتجف حين وقع في الأسر سنة 1983، مع قريبَيْه ماهر يونس، وكريم يونس من بلدة [عارة] في فلسطين المحتلة سنة 1948. ورغم دراية دولة الصهاينة أن السمع والبصر، والرئتين، والصدر والصبر، والعمود الفقري للأسير سامي يونس لا تؤهله لحمل السلاح ومحاربتها، إلا أنها أيقنت أن إبقاء السجين سامي يونس بحد ذاته رسالة تحمل مضامين الترهيب لمن تسول له نفسه أن يتحدى الصهاينة، وتحمل معاني النأي بالنفس عن ملامسة سياج اليهودي الغاصب الذي لا ينسى من اعتدى عليه، ولن يغفر لمن قاوم أطماعه. لقد ظلت (إسرائيل) ترفض إطلاق سراح الأسير العجوز سامي يونس رغم كل محاولات السلطة الفلسطينية، وكانت الحجة التي استند إليها الصهاينة تقول: إن سامي يونس يحمل الهوية الإسرائيلية، وينطبق عليه القانون الإسرائيلي، وإن ما قام به من فعل عسكري ضد الجيش الإسرائيلي هو خيانة . لقد فشلت جميع التوسلات والمحاولات الداخلية والخارجية لإطلاق سراح سامي يونس، ولم تخجل (إسرائيل) من المفاوض الفلسطيني، ولم ترضخ للضغط الدولي، لقد أبت (إسرائيل) واستكبرت، حتى جاءت كتائب الشهيد عز الدين القسام، واشترطت إطلاق سراح الأسير سامي يونس ضمن صفقة وفاء الأحرار، وكان لكتائب القسام ذلك، لقد تحرر سامي يونس من الأسر سنة 2011. في سنة 2009 كتبت مقالاً تحت عنوان (ثمانون عاماً في السجون) قلت فيه: تجاوز الأسير سامي يونس ابن حركة فتح الثمانين عاماً خلف الأسوار، إنه لا يشتكي العذاب خلف القضبان، وإنما يبكي على نجاح الصهاينة في طمس الذاكرة، وتجريده من فلسطينيته، لذلك فإنني أناشد حركة حماس، وأقول لها: والله لئن اقتلعت غزة من جذورها، وصُبَّت النيران على سكانها صباً، فإن ذلك أهون على شعبنا الفلسطيني من إطلاق سراح "جلعاد شاليط" دون أن يطلق سراح ابن حركة فتح سامي يونس، وإخوانه من فلسطينيي 48، وفلسطينيي القدس. لقد استجابت المقاومة لنداء الواجب، ونجحت في تحرير سامي يونس، وما زلنا ننتظر مزيداً من نجاح المقاومة في تحرير باقي الأسرى.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.