23.19°القدس
22.68°رام الله
24.42°الخليل
26.65°غزة
23.19° القدس
رام الله22.68°
الخليل24.42°
غزة26.65°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: لقطة في فيلم قديم

حين احتفى البعض في مصر بالحكم بالسجن ١٥ عاما على الضابط الذي اتهم بقتل المحامية شيماء الصباغ. فإن شابة في مقتبل العمر علقت على تغريداتهم قائلة «تذكروا أن ذلك حكم محكمة أول درجة، لكن البراءة تنتظره في نهاية المطاف». ما لفت نظري لم يكن الحجة التي وردت في التعقيب وإنما صدورها عن فتاة يقل عمرها عن عشرين عاما. ذلك أن الأمر أصبح واضحا والفكرة شائعة بأن ضباط الشرطة لا يحاسبون ولا يسألون عما يفعلون بالنشطاء السياسيين بوجه أخص. ويؤيد ذلك ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص الشاب الكفيف الذي اشتبك مع ضابط شرطة حين استوقفه وهو يعبر أحد الشوارع وقال له إن بوسعه أن ينهي حياته برصاصة واحدة يطلقها. وقد ذكر الشاب انه احتمل إهانات الضابط لأنه مقتنع أن بوسعه قتله وأن قتله لا ديَّة له. هذا الاقتناع لم يكن مجرد تخمين أو تصور لسيناريو افتراضي، لأن شواهد الواقع تؤيده حينا بعد حين. ولم يعد مستغربا أن تدرك الأجيال الجديدة أن الحكم بسجن ضابط الشرطة إذا كان لا بد منه فهو مؤقت ويراد به امتصاص الغضب واسترضاء الرأي العام. لكن براءته حتمية في النهاية. وبعد تبرئة الضابط الذي حكم عليه بالسجن ١٥ عاما بعد إدانته في تعذيب وقتل الشاب سيد بلال الذي اتهم في قضية كنيسة القديسين (عام ٢٠١١) وكذلك تبرئة زميله الذي أدين في قتل ٣٨ شخصا الذين كانوا في عربة ترحيلات سجن أبوزعبل. وكذلك تبرئة جميع الضباط الذين اتهموا في أكثر من ٤٠ قضية قتل أثناء ثورة يناير، بعد كل ذلك ليس مستغربا ألا تؤخذ الإدانة على محمل الجد من جانب أي شخص له عقل وذاكرة. وليس بعيدا عن أذهاننا الحكم النهائي الذي صدر أخيرا ببراءة وزير داخلية مبارك وأعوانه الستة، الذين قادوا جهاز الشرطة أثناء ثورة يناير، حين قتل نحو ألف شخص ذهبت دماؤهم هدرا. ولا أمل من التذكير في هذا الصدد بما أورده تقرير لجنة تقصي حقائق أحداث الثورة التي رأسها المستشار عادل قورة، رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، الذي تحدث صراحة عن ضلوع الشرطة وقياداتها في عملية القتل (التقرير تم إخفاؤه ولكن له خلاصة وافية من ٤٢ صفحة أعدتها اللجنة ووزعتها على الصحف آنذاك وهي موجودة على الإنترنت). وأضيف إلى ما سبق ما أثبتته نيابة الثورة بخصوص وجود ٤٣٣ قناصا بوزارة الداخلية أطلقوا النار على المتظاهرين، في حين نفي المسؤولون بالوزارة وجود قناصة من الأساس. (جريدة الوطن نشرت تقريرا مفصلا عن الموضوع ـ موجود على الإنترنت أيضا ـ نشر في ٣/٥/٢٠١٣). الحقيقة الجوهرية التي يتجاهلها كثيرون أن تعذيب النشطاء أو إطلاق الرصاص عليهم لا يتم بمبادرة من الضباط، ولكنه يتم بتوجيه وتصريح من قيادات الداخلية، التي قد لا تدعو إلى القتل ولكنها تتسامح له إذا وقع وتقبل به باعتباره احتمالا واردا. لذلك فمن الطبيعي أن تتضافر الجهود لتغطية وتأمين الضباط الذين ينفذون التعليمات. وإذا علمنا أن الجهاز الأمني له أساليبه في السيطرة وضبط مسار جميع مراحل التعامل مع القضية منذ فتح التحقيق حتى الحكم النهائي، وهو ما أثبتته التجربة، فلا غرابة في أن يظل شعار «البراءة للجميع» مرفوعا طول الوقت، بحيث لا يدان ضابط في كل الأحداث التي تعاقبت خلال السنوات الأربع الأخيرة. حيث لا يعقل أن يكلف الضباط بمهام أيا كانت طبيعتها ثم يسمح بمعاقبتهم إذا قاموا بتنفيذها على الوجه المطلوب، أو حتى أخطأوا وذهبوا بعيدا في التنفيذ. من هذه الزاوية فإن الحكم بسجن الضابط الذي أدين في قتل المحامية شيماء الصباغ لا ينبغي أن يستقبل بحسبانه عقابا له وانتصافا لها أو أخذا بحقها. لكنه بمثابة لقطة في الفيلم الذي ينتهي بتبرئته وعودته معززا مكرما إلى أسرته ووظيفته وقبيلته التي تحميه. وكلها أسابيع أو أشهر معدودة، يهدأ فيها الغضب وتشحب الذاكرة وينسى الناس شيماء الصباغ كما نسوا سيد بلال وقبله خالد سعيد وغيرهما وغيرهما. لكي تحل النهاية السعيدة ويسدل الستار على القصة. لكي تصبح الصورة أكثر وضوحا، أعيد التذكير بأن القضية ليست أن ضابطا أطلق رصاصة طائشة أو عذب متهما فقتله عن غير عمد أو حتى مع سبق الإصرار والترصد. لكنها في السياسة التي أرادت له أن يؤدي هذا الدور. وحتى إذا اعتبر الضابط فاعلا ومنفذا، إلا أن وراءه من دبَّر وكلفه بأداء ذلك الدور. من ثم فلا أمل في عدل أو إنصاف ما لم تتغير السياسات ويصبح القانون سيفا مسلطا على رقاب الجميع. وهو ما يعني أننا بصدد مشكلة كبيرة تتجاوز الضابط ورؤساءه، وتقف على تماس مباشر مع السياسة وخطوطها والموقع الحقيقي للدستور وقدرة المجتمع على الدفاع عنهما ذودا عن حق المواطنين في الحياة، فضلا عن حقهم في الكرامة. الشواهد التي بين أيدينا تدل على أن هذا الذي أدعو إليه يبدو أملا بعيد المنال، لذلك فلست آمل في تغير شيء مما ينبغي أن يتغير في الأجل المنظور، لأن غاية مرادي في الوقت الراهن أن نفهم القضية على نحو صحيح، بحيث ندرك أن الفيلم ليس جديدا، ولكنه مجرد استنساخ لأفلام أخرى مماثلة شاهدناها خلال السنوات الأخيرة تغير فيها الأبطال حقا، لكن القصة ظلت واحدة. إن الفيلم هو ما ينبغي أن يتغير وليس أشخاصه أو إخراجه.