23.19°القدس
22.68°رام الله
24.42°الخليل
26.65°غزة
23.19° القدس
رام الله22.68°
الخليل24.42°
غزة26.65°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: لو أحكمت تربيتك ما ضرك الحبر !

بالرغم من أنه أدرك عصر الراشدين وبقايا أنفاس النبوة الطاهرة وعاش أمجاد الاسلام بل روى الاحاديث وفسر القرآن الا أن كعب الأحبار ظل شخصية مختلف عليها بين من يشهدون بإيمانه ومن يشككون فيه حد الكفر والخيانة والكيد للاسلام ومحاولة تحريفه بإدخال الروايات الاسرائيلية الى الدين! ولكن بالرغم من وجود هذه الشخصيات الخلافية على امتداد التاريخ الاسلامي جنبا الى جنب مع المنافقين الا ان البناء الاسلامي والجيل الأول صمد لكل هذه الاختراقات سواء كانوا أشخاصا او مغريات وظلوا وظلت على هامش التأثير لا تستخف سوى من به رقة من إيمان وطمع في الدنيا. أراد الله ان يعلم عباده ان البشر مجرد وعاء، ان كان خيرا فخيرا لهم وان كان شرا فعليهم، وحتى الرسول صل الله عليه وسلم على قدسيته قال «إنما أنا بشر»، وأكد الله ان القدسية الاعلى للدين والمنهج والمبدأ، فقال سبحانه «وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا». كان الثابتون يومها أكثر من المتساقطين، والاوفياء أكثر من المفرطين، والصادقون لم يدعوا للمنافقين ثغرة ينفذوا منها الا وأغلقوها عليهم، كانت المحجة بيضاء والنور مبين والسالكون كثر فلما تخلف واحد ما ضر السائرين بل لما تأخر أبو ذر عن اللحاق بالجيش مضى الرسول بالكثرة المؤمنة وأوكل ابو ذر لنيته، فقال ان يكن فيه خير يلحقه الله بكم! كان المسير راسخ القدم واثق الخطو لا يعيقه تخلف من احتوشته الدنيا بشهواتها! لم يكن الصف الاول منزها عن الاختراق ولكنه أثبت ان تربيته مكنته من الوقوف بوجه كل المتسللين مهما اتقنوا فن التزين والتجمل والاغراء، سقط قليل القليل وثبت الكم الأعظم إيمانا. كانت متانة التربية النبوية ورسوخ العقيدة لدى الرعيل الاول كفيلة لصد الادعياء ولغربلة الاشخاص وتمييز الخبيث من الطيب، فها هو كعب بن مالك في عز حاجته الى المواساة بعد ان قاطعه المجتمع الاسلامي حتى عائلته، بعد اقراره بخطئه واعترافه بذنبه،لا ينبطح أمام داعية غواية جاء بكل ما كان يفقده من أنس ومكانة وجاهٍ وتقدير! أدرك كعب ان الموقف ليس مجال الانتصار للنفس ولا الثأر لشخصه المجروحة بالعقاب، المستحق للتخلف، بل هو امتحان للدين والمبادئ والثبات ولكل ما تعلمه في سنين صحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أدرك أن رسالة ملك غسان التي بدت في ظاهرها تعاطفا وكسبا ودا ليست سوى ضربة قاضية للدين خطط لها الملك الغساني، وكان كعب مجرد أداة ووسيلة ليقول للعالم أن رجال محمد يميلون مع الريح حيث تهوى النفس وتقتضي مصالحهم! ولكن كعب علمه درس حياته فألقى برسالته الى التنور في رفض علني وتصميم على لزوم الصف ولو كان الثمن حياته! لذلك وُصف ذاك الجيل بصدق العهد «وما بدلوا تبديلا». جاء الحِبر هنا في شكل اغراءات متعددة ولكن مصدات الإيمان واجهت عواصف الزحزحة والخلخلة وثبت البنيان الايماني في نفوس المسلمين تمثل الِحبر لخبيب بن عدي في امتحان واستفزاز قولي وحبل المشنقة حول عنقه والنجاة منه ان يوافق جلاديه بأمنية ان يكون الرسول مكانه وكان ليُعذر ويقبل منه حتى الكفر في حال الاضطرار، ولكنه يختار ان يكون قدوة في الصمود لا مثالا في الانكسار. الحِبر إنسانا والحِبر مادة مؤهل للتكرار في كل صف اسلامي، صنف من الناس او المبادئ قابل للتحور والقولبة والموضعة لا تعرف له ثباتا ولا تعلم له سريرة ولا تستطيع له فهما ولا تصنيفا أفي المؤمنين أم من غيرهم؟! علاج هؤلاء لا يكون بالتصدي لهم وبذل الجهد في كشفهم ومعرفة سرائرهم فشهادة الحال تغني عن شهادة المقال! الوقاية الأهم ان تكون تربية فردك المسلم من الفهم والثبات بحيث لو عبرت عليه كل الشبهات ما نقصت من إيمانه ووضوح فكرته وغايته الا كما ينقص المخيط اذا أُدخل البحر. ليست المشكلة في الحِبر أنه تسلل الى القلب من ميدانك، المشكلة في أن الحراس لم يكونوا أهلا لصده. لو أحكمت تربيتك ما ضرك الحِبر.. ولا جمعيته!