تثير الأحكام الصادرة بحق 26 ضابطا في القوات المسلحة المصرية أدينوا بالتخطيط لقلب نظام الحكم أسئلة أكثر ما تقدم من أجوبة، ولا سيما أن هناك شحا شديدا في المعلومات بشأن تلك القضية وملابساتها, كذلك كيفية صدور هذا الحكم العسكري على عسكريين والذي يعد الأول من نوعه منذ انقلاب من يوليو/تموز 2013، حيث فوجئ الجميع بالحديث عن إحالة عسكريين للمحاكمة، فضلا عن إدانتهم والحكم عليهم.
ومن بين الضباط المحكوم عليهم عميد في بالقوات المسلحة وأربعة عقداء وضباط آخرون، إلى جانب أمين حزب الحرية والعدالة بمحافظة الجيزة حلمي الجزار، وعضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان محمد عبد الرحمن، وتراوحت الأحكام بين المؤبد والسجن عشرة أعوام.
وفي ظل غياب المعلومات الموثوقة تأتي التقديرات والتحليلات المتفاوتة من المراقبين، فهناك من يعتبرها "تحولا مهما وتطورا خطيرا" حسب تعبير رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى السابق رضا فهمي الذي يرى فيها "تحولا مهما في مستقبل الصراع بين الثورة والثورة المضادة، وفي القلب منها المؤسسة العسكرية، وفي صدارتها المجلس العسكري".
وقال فهمي للجزيرة نت "هذا الحدث له ما بعده، فقد راهن عبد الفتاح السيسي من أول يوم على تماسك المؤسسة العسكرية ووحدتها في إنجاح الانقلاب، واليوم وبعد أن صدرت أحكام بحق عسكريين من قيادات وسطى هم الأكثر التصاقا بالقوات المقاتلة على الأرض، والأقدر على التحكم وتغيير القناعات وسط فئة الجنود، فإن ذلك ينبئ بتحول في طبيعة الصراع بين الثورة والمؤسسة العسكرية".
مخففة لماذا؟
ونبه فهمي إلى أن "إصدار أحكام مخففة في قضايا عادة ما تغلظ فيها العقوبات لتصل إلى الإعدام يعكس حالة خوف وهلع من إمكانية حدوث انفجار داخل المؤسسة العسكرية، خاصة أن بعض هؤلاء الضباط منحدرون من عائلات عسكرية، وبعضهم تربطهم علاقات عائلية مع قيادات متنفذة داخل الجيش".
واعتبر إدخال بعض قياديي الإخوان ضمن القضية "تبريرا للأحكام باعتبارهم ارتكبوا خيانة عظيمة بتحالفهم مع جماعة يعتبرونها إرهابية".
أما الحقوقي المعارض والقيادي بجبهة الضمير عمرو عبد الهادي فقال إن هذه الأحكام "تدحض كلام من يشكك في وطنية عموم الجيش ويحاول دائما إظهار السيسي وصدقي صبحي وكأنهما الجيش كله، وما حدث يؤكد أن جيش مصر سيتخلص يوما ما ممن أساء إليه ويصالح الشعب المصري الذي أصبح بين قتيل وسجين ومصاب".
ويرى عبد الهادي أن الكشف عن وجود عناصر في القوات المسلحة معارضين للانقلاب العسكري "سيعزز الفكر الوسطي في تحجيم المعركة وإقصاء الأصوات الشاذة التي تريد تسريح مجمل الجيش وتعميم اتهامه بالباطل، لكن ذلك على مستوى التحركات لن يقدم أو يؤخر، والثورة ستبدأ نجاحها بأقرب الأجلين، إما الثوار أو انقلاب على الانقلاب".
وفور الكشف عن الحكم، علق محمد محسوب -وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية في عهد مرسي- بتغريدة في موقع "تويتر" قائلا "صدور أحكام باطلة بحق ضباط بالجيش هو تطور خطير ينقل التنكيل والانتقام من المجال المدني لنطاق الجيش.. إنهاء الاستبداد ينقذ مصر شعبا وجيشا".
من جانبها، استنكرت الرابطة العالمية للحقوق والحريات -إحدى المنظمات الحقوقية غير الحكومية- في بيان لها أول أمس الأحد تلك الأحكام، مشيرة إلى أن القضية تعود إلى أبريل/نيسان الماضي، مضيفة أن "السلطات أخفت هؤلاء العسكريين لأكثر من شهر ثم الإعلان عن القضية، ووجهت لهم تهمة محاولة قلب نظام الحكم عقب أحداث الإطاحة بمرسي".
وطالبت الرابطة في البيان ذاته بـ"إلغاء الحكم وإعادة إجراءات محاكمة العسكريين والمدنيين في إطار قانوني وبشكل علني يضمن للمتهمين كافة حقوقهم".