غضب عارم يعتمر قلوب عدة قرى بلدات في محافظتي نابلس وطولكرم، عقب نية شركة استثمارية خاصة استملاك أراض فيها تقدر بمئات الدونمات لإنشاء مصنع للإسمنت، ومحاجر لاستخراج الحجارة ومواد البناء.
الغضب ترجم في المسيرات الحاشدة التي خرجت من تلك القرى والبلدات ورفعت شعارات تدعو لمواجهة قرار الاستملاك ورفضه بشتى السبل، لما له من آثار مدمرة على البيئة وصحة المواطنين، وتدمير الزراعة وآبار المياه.
مراسل وكالة "فلسطين الآن" تابع القضية ورصد ردود الأفعال من الجهات كافة.
بدأت القصة بإعلان نشر قبل عدة أيام في الصحف المحلية، تُعلم فيه أن شركة "سند الشمال لصناعة الاسمنت"، الحكومة أنها تنوي استملاك قطع أراض (مفصلة بالاعلان)، في منطقة "وادي الشعير" التي تضم بلدات وقرى عنبتا وكفر رمان ورامين بطولكرم، وبزاريا وبرقة في محافظة نابلس، لإقامة مصنع إسمنت عليها، وكذلك لاستخراج الحجر الجيري والحصى والحصباء المجروشة والمكسرة للخرسانة ورصف الطرق وغيرها من المواد الداخلة في الصناعات الإنشائية، وتحدد لذلك موعدا أقصاه 15 يوما فقط.
المشروع سيلتهم ما يقارب (1800 ) دونما ومعظمها مزروع بأشجار الزيتون وتعد خصبة للزراعة، ليس هذا وحسب بل سيشكل آفة بيئية على سكان المنطقة، حيث يشكل مصدر تلوث جراء انبعاث المواد التي تسبب أمراض مثل السرطان.
كما أن أصحاب "الكسارات" بمحافظة طولكرم يخشون من كون المشروع سيتسبب بضرب المشاريع والاستثمارات في المحافظة ونابلس في قطاع توريد مواد البناء.
لكن رؤساء المجالس البلدية والقروي المتضررة كشفوا النقاب عن شيء أخر، فإقامة مصنع الإسمنت -حسب الدراسات- بحاجة إلى 13 دونما فقط، فلماذا النية بمصادرة نحو 1800 دونم!! لذا هم يشيرون إلى أن هناك مخطط لإقامة منطقة صناعية كاملة، وهناك تقارير أولية حول مخاطر إقامة مثل هذه المصانع التي ينصح بأن تكون في مناطق صحراوية معزولة، وليس مأهولة بالسكان وزراعية.
أضرار فادحة
وقال رئيس مجلس قروي برقة شمالي نابلس سامي دغلس إن "القانون يوجب إبلاغ المجالس البلدية والقروية التي قد تتأثر بهذه الصناعة. ويحق للمواطنين والمؤسسات ومن واجب المجالس القروية فحص الأراضي المشمولة وإعداد دراسات شاملة".
واعتبر دغلس أن هناك فرصة للالتفاف على القانون في هذا الموضوع، "لأن وضع صندوق الاستثمار القانوني مبهم حسب قوله، إذ سبق أن تم استملاك أراضي بآلاف الدونمات لصالح مشروع روابي برام الله بقرار رسمي".
وأضاف "الكارثة ليست في استملاك الارض ونزع ملكيتها فقط.. بل في الأمراض السرطانية الناتجة عنه التي تهدد كل سكان المنطقة، كما أن التخلص من الغبار الناتج عن الكسارات بحاجه لكميات هائلة من الماء الذي هو غير متوفر أصلا لا للشرب ولا للزراعة، فكيف سيكون هناك مياه للخلاص من الغبار؟".
قرارات عاجلة
وكانت تلك المجالس أقرت في اجتماع لها عدة قرارات لمواجهة المشروع، وهي:
1 – مقابلة رئيس الوزراء عاجلا وتسجيل اعتراض رسمي لدى الحكومة من جميع سكان القرى ودعوة مجلس الوزراء لعدم الموافقة.
2 – إصدار بيان إعلامي للصحافة يعلن رفضنا لهذا المشروع الذي لا جدال على مضاره الصحية والبيئية والمائية، والاستنارة برأي الخبراء في الإغاثة الزراعية وسلطة البيئة والجهات الصحية.
3 – التحضير لاحتجاج شعبي جماهيري إذا لزم الأمر في الموقع.
4- تكليف مركز القدس للمساعدة القانونية بإعداد عريضة للاعتراض القانوني الفردي والجماعي على المشروع الكارثي لدى المحاكم.
5- التواصل المستمر بين القرى والإعلان عن قرار الاستملاك في القرى والمساجد حتى يعرف أصحاب الأراضي المصادرة بالموضوع لضمان تحركهم العاجل.
موقف الشركة
بدروها ، أعلنت شركة "سند" للصناعات الإنشائية عن تأسيس شركة سند الشمال لصناعة الاسمنت، بحجم استثمار أولي يقدر بـ 310 مليون دولار، لمباشرة تنفيذ الخطوة العملية الأولى باتجاه إنشاء المصنع الفلسطيني المتكامل الأول لإنتاج الاسمنت بالإعلان عن نية الشركة استملاك الأرض التي سيتم إنشاء المصنع عليها.
وقال لؤي قواس الرئيس التنفيذي لشركة سند، في بيان صحفي، "إن شركة سند الشمال وهي شركة تابعة لسند قد باشرت العمل باتباع اجرءات استملاك قطع أراض في محافظتي نابلس وطولكرم شمال الضفة الغربية والتعويض حسب القانون الفلسطيني، حيث سيتم تدشين مصنع الاسمنت الفلسطيني، بما يشمل أيضا المحجر.
وأضاف "الأرض التي سيتم استملاكها تقدر مساحتها بنحو 2000 دونم، سيتم تخصيص 1300 دونم منها للمحجر، و700 دونم ستخصص لإقامة مصنع الاسمنت".
المكان الملائم
وأشار قواس إلى أن العنصر الرئيسي لصناعة الاسمنت يعتمد على توفر الحجر الجيري المناسب وبكميات كبيرة، لذلك قام الخبراء الجيولوجيون الدوليون الذين تعاقدت معهم سند، واستناداً للخارطة الجيولوجية لفلسطين بتحديد 8 مواقع محتملة لإنشاء المصنع، وبعد الفحوصات المعمقة، تبين أن الموقع الموجود ما بين محافظة نابلس وطولكرم، الذي أعلنت شركة سند عن إجراءات استملاكه هو الوحيد الملائم لإنشاء المصنع كونه يحتوي على كميات ومخزون استراتيجي من الحجر الجيري الملائم لصناعة الاسمنت الذي يقدر بـ 120 مليون طن، وبما يكفي لأغراض إنتاج الإسمنت لأكثر من 80 عاما.
وأوضح قواس أن الجزء الأكبر من الأرض المنوي استملاكها؛ هي أرض جبلية ستخصص للمحجر الذي سيتم استخراج الحجر الجيري منه، الذي يقع في منطقة تصنف على أنها منطقة زراعية متوسطة إلى منخفضة القيمة الزراعية، وذلك حسب المخطط المكاني لوزارة التخطيط.
وأوضح قواس أن القدرة الإنتاجية لمصنع الاسمنت ستصل إلى 1.3 مليون طن سنويا. مشيراً إلى أن الدراسات التي قامت بها سند بينت أن السوق الفلسطيني في الضفة الغربية لوحدها يحتاج إلى أكثر من 2 مليون طن من الاسمنت في العام 2021، موضحاً أنه في مقابل ذلك، فإن القدرة على توفير كميات مستوردة سواء من الأردن أو دول مجاورة أو إسرائيل لن تتجاوز 1.2 مليون طن، ما يعني أن فلسطين ستواجه خلال الفترة المقبلة نقصا حقيقياً في الاسمنت يتجاوز 1 مليون طن في حال عدم إنشاء مصنع فلسطيني، هذا ومن المتوقع أن يتجاوز هذا النقص حاجز 2 مليون طن بعد العام 2024، الأمر الذي يستدعي زيادة الإنتاجية أو الإستثمار في مصنع آخر للإسمنت.
وشدد قواس على أن إنشاء المصنع سيعمل على إحياء المنطقة بالكامل لما له من تأثيرات إيجابية بإيجاد فرص عمل مباشرة تصل إلى 500 وظيفة تقريباً في الوظائف المختلفة المرتبطة بتشغيل المصنع من مهندسين وعمال وغيرهم، إضافة إلى 1500 فرصة عمل غير مباشرة ضمن سلسلة الإمداد التكميلي المرتبطة بصناعة الاسمنت.







