32.79°القدس
32.55°رام الله
31.64°الخليل
32.5°غزة
32.79° القدس
رام الله32.55°
الخليل31.64°
غزة32.5°
الجمعة 18 يوليو 2025
4.51جنيه إسترليني
4.74دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.9يورو
3.36دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.51
دينار أردني4.74
جنيه مصري0.07
يورو3.9
دولار أمريكي3.36

بطل "الاتصال المفقود"

خبر: القسامي "مسعود" .. أخلاق القرآن وحبّ الجهاد

محتارةٌ تلك الحروف وهي تناوش تضحيات الأبطال ، وعاجزة تلك الكلمات أمام تاريخ الرجولة وهي تبحث عن فارسها لتزيّن سماءها بعطر سيرته وتطيّب تربتها ببذل الدماء ، لعلها ترسم لوحة جميلة من حياة أقلة اصطفاهم الله للذود عن حماه فأفنوا حياتهم من أجل دينهم وقضايا أمتهم حتى ملك الجهاد تفكير عقولهم وجنبات نفوسهم وشغاف قلوبهم.

 

"وليد توفيق مسعود" ، ذلك الاسم الذي ظهر كمثالٍ لشابٍ فلسطيني استولى على همّه تحرير الأقصى وفك قيد الأسرى من سجون الاحتلال كما عُهد عنه ، بعد أن عرضت قناة الجزيرة الفضائية فيلمًا استقصائيًا عن أحداث مدينة رفح في الأول من أغسطس للعام الماضي حيث حسبه الاحتلال جثة الضابط الإسرائيلي "جولدن" ، وفق معلومات القسام.

 

خلال لقاء "فلسطين الآن" مع عائلة مسعود التي قدمت شهيدين وأسيرًا أعددنا هذا التقرير يسلط الضوء على بعض من حياة الشهيد وليد توفيق مسعود من حي التنور شرق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة القائد الميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام وأحد المشاركين في كمين أبو الروس.

 

أخلاق القرآن

منذ الصغر خطا وليد مسعود 25 عامًا خطواته إلى المسجد متعلقًا قلبه به بشغف ومقبلًا على القرآن بنهم كبيرٍ جدًا يلازم ذلك حبٌ للجهاد والمقاومة ، مما كان لذلك الأثر الكبير في صناعة شخصيته العازفة عن الدنيا ومتاعها وتعلقها بالآخرة كما تحدث عنه كل من عرفه.

 

شقيق مسعود الأكبر غريب مسعود يصف ل"فلسطين الآن" أخلاق شقيقه ويقول:"وليد لن أقدر أن أعبر لك عنه ، كان قرآن يمشي على الأرض ، رجل لا يوجد له مثيل حر في نفسه لا ينم على أحد ولا يتكلم في سيرة أحد ولا يؤذي أحد ، وأنا أعده ملك من الملائكة".

 

ويروي:"كان وليد قبل ما يؤذن بعشر دقائق يخرج إلى المسجد يجدني في المحل ويقول لي: قم صلّ أقول له: عندما يؤذن ، يقول لي: قم قبل الأذان حتى تلحق تكبيرة الإحرام" ، ويتابع:"كان يخرج إلى المسجد ويجد الأطفال الصغار ويصطحبهم معه ، يعود من المسجد إلى البيت دائما ممسكا بالمصحف".

 

الحاجة أم غريب مسعود والدة الأسير والشهيدين قالت ل"فلسطين الآن":"كانت علاقتي بوليد طيبة جدًا لأنه أصغر واحد في الأبناء ، طموح حنون يحب إخوانه وأخواته وخالاته ، دائما يداوم على قراءة القرآن وتربى في المساجد ، ولا يتحدث في سيرة أي أحد من الناس".

 

وأضافت:"عندما كان يراني حزينة وأي أحد حزين يقول: الدنيا مش مستاهلة اتركوها دايما فكروا في الآخرة ، كان هو كل تفكيره الجهاد رغم صغر سنه ".

 

وقدمت عائلة مسعود شهيدين وأسيرًا ، الشهيد حسين توفيق مسعود الذي استشهد أثناء تأدية عمله في إنقاذ شبان من أحد الأنفاق وارتقى بعده بأربعين يومًا شقيقه وليد خلال العدوان الإسرائيلي صيف 2014م ، والأسير يوسف الذي أسر عام 2003 ومحكوم 20 سنة أمضى منها 12 سنة.

 

تضحيات وحب الجهاد

كان لاعتقال الاحتلال الإسرائيلي لشقيقه الأسير يوسف الأثر في حياة وليد ، وعزز في نفسه العمل الجهادي والعسكري وتخليص أبناء شعبه من المعاناة التي يقاسونها من ويلات الاحتلال ، وكما أفاد شقيقه غريب أنه انتمى لحركة حماس من الحادية عشر من عمره وبعدها بسنوات قليلة انضم لكتائب القسام.

 

ويروي مسعود:" عندما كان عمره 11 عام ذهب لزيارة شقيقه الأسير يوسف مع أخته ، يقول لأختي:" أتمنى أن أقوم وأقتل ذلك الجندي فالأرض أرضنا وقد احتلوها وأسروا أخوي" قالت له ايش بدنا فيهم؟ وبعد الزيارة بثلاثة أشهر التحق بالحركة الإسلامية".

 

وفي موقف آخر يترجم حبه للجهاد يتابع:" كنا طالعين في سيارة على حاجز أبو هولي ، فيقول لي لو السيارة مفخخة لأدخل في الحاجز وأفجرها ، أكره ما علي أشوف جنود على الأرض ، إلي خاطر أكلهم أكل وأتخلص منهم بأي وسيلة".

 

وفي إحدى ليالي رباطه برفقة أحد إخوانه المجاهدين لاحقتهم كلاب شرسة فصعد على أحد أعمدة الكهرباء فطلب منه صديقه أن يطلق النار عليها فرفض رحمة بها وبقي قرابة نصف ساعة صاعدًا في مكانه إلى أن ذهبت.

 

"طموح وكتوم" ، أكثر الصفات التي رددتها والدته عن ابنها الشهيد ، تمنى أن يعتمر فاعتمر ومكث شهرًا كاملًا ، وكان يتردد على لسانه الأسرى ومعاناتهم ، تقول والدته:"كان عندما يراني أبكي على فراق أخوه الأسير يقول لي :" اصبري والله مش جندي حنبادل فيه ضابط إن شاء الله بس أنتي اصبري ولا تبكي ، هو مع الله وربنا لَباله طلبه".

 

لحظات أخيرة

في ذات الغرفة التي عقدنا لقاءنا مع والدة مسعود كانت نظراته الأخيرة لها ولأهل بيته في تمام الساعة السادسة صباح يوم الجمعة السوداء يوم عملية كمين أبو الروس ، وكان هذا آخر عهده في البيت كما تفيد والدته وبعدها خرج ولم يعد وغاب وغابت أخباره إلى أن تم الإعلان عن استشهاده مساء الخميس الماضي في فيلم الجزيرة.

لم تكن تدري أم غريب مسعود أن هذه النظرة هي نظرة الوداع من ابنها ، ولم تكن تدري في ذات الوقت أن ابنها خرج ليشارك في عملية ظلت لغزًا حيّر الاحتلال ، وكأنها شعرت بشعور الأم أنها تفقده وأوضحت أنه:"في قرابة الساعة 9:30 ص شعرت أن قلبي انقبض في الطريق وقلت أن وليد استشهد وشعرت أنه استشهد".

 

لم تُخف والدة الشهداء فرحتها عندما علمت أن ابنها وليد شارك في عملية كمين أبو الروس الذي فقد الاحتلال فيها الضابط "هدار جولدن" وكانت جثته هي التضليل لجنود الاحتلال الذين اعتقدوا أنها جثة الضابط وهي في الحقيقة جثة الشهيد مسعود الذي كان يرتدي زيًا يشبه زي جنود الاحتلال ، كما كشف القسام خلال فيلم الجزيرة.

 

وقالت:"لما علمنا أنه استشهد في العملية انبسطت جدًا , وقلت هو مع ربنا وربنا لباله طلبه ، أنا أفتخر فيهم وبأرفع راسي فيهم ، صح لحظة الفراق صعبة وهو أصغر واحد وبينه وبين استشهاد أخيه 40 يوم  ولكن أحمد الله رب العالمين كان دايما يقول الموتة واحدة فنموت موتة واحدة بتشرف".

 

وتابعت:" والحمد لله استشهاد اولادي بيشرفني ، وأسر يوسف يكون في ميزان حسناته ، وإن شاء يخرج الأسرى جميعهم ومن هم قبل يوسف من أصحاب المحكوميات العالية" , وطالبت بالإفراج عن جثة ابنها وليد لتحتضنه وتلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة ويدفن بجوار شقيقه الشهيد حسين كما أوصى في وصيته.

 

وعرضت الجزيرة الفضائية مساء الخميس الماضي فيلمًا استقصائيًا حول الأحداث التي جرت في مدينة رفح في الأول من أغسطس ، وأثبت الفيلم أن الاحتلال الإسرائيلي هو من اخترق التهدئة وارتكب جرائم حرب ومجازر بحق المدنيين ، وبقي فقدان "جولدن" صندوقًا أسودًا لم يُفتح بعد وظل الاتصال مفقودًا.