مُغيبون عن تفاصيل الحياة، ليلهم كنهارهم، بيوتهم أصبحت زنازين ضيقة تزيد ظلمة الاعتقال، ووقتهم مليء بآخر ذكرياتهم من أهلهم وأبنائهم، هذا هو حال المعتقلين السياسيين في سجون الأجهزة الأمنية المختلفة.
وفوق كل تلك المعاناة، يأتي إبعاد المعتقل السياسي عن مكان سكناه، ونقله إلى سجنٍ في مدينة أخرى، من أشد الأساليب التي تنتهجها أجهزة السلطة، ليس لمعاقبته وحده فحسب، بل لمعاقبة أهله كذلك.
نقل تعسفي
زوجة المعتقل السياسي كامل حمران من قرية الهاشمية بجنين تفتقد لغيابه منذ نحو 80 يوما، نُقل منذ اللحظات الأولى إلى سجن جنيد بنابلس، وبعدها إلى سجن بيت لحم، وقبل يومين إلى سجن أريحا.. تقول "خلال هذه الفترة الطويلة من الاعتقال لم نتمكن من زيارته إلا مرتين فقط، مرة في سجن جنيد، والأخرى وهو في سجن بيت لحم".
وتصف أم إسلام حمران -التي استقرت الآن في منزل والدها في قرية سالم شرقي نابلس- تفاصيل الزيارة، فتقول: كانت أوقاتا شاقة ومتعبة جدًا، فالمسافة من جنين، حيث كنت أقطن إلى بيت لحم تتجاوز أربع ساعات، ولك أن تتخيل حالنا عندما وصلنا السجن، تعب وإجهاد وبكاء الأطفال الصغار الذين لم يتحملوا الحر الشديد بتلك الأيام، فتبدل فرحهم بلقاء والدهم إلى بكاء، وقضيت فترة الزيارة وأنا أحاول إسكاتهم، دون فائدة".
وتابعت "الزيارة التي لم تتعد ساعة واحدة وجلس خلالها معنا عنصر أمني، مرت كلمح البصر، ولم أتمكن من الحديث مع زوجي بخصوصية، وكان عقلي مشغولا حينها بالسفر الشاق الذي ينتظرني أنا وأولادي للعودة إلى المنزل".
وتتساءل حمران عن دور مؤسسات حقوق الإنسان التي تملأ فلسطين، وتقول: أين هي من مشاكلنا وقضايانا، فقد طرقت كل أبواب هذه المؤسسات لمطالبة بنقل زوجي إلى مكان سكناه، والإفراج عنه إذ أن اعتقاله تعسفي وسياسي، ونقله أيضا إلى بيت لحم تعسفي وغير قانوني، هذا إذا سلمنا جدلا أن الأجهزة الأمنية تعترف بالقانون، فقد صدر قرار بإخلاء سبيل زوجي كامل وتم توقيعه من النيابة العامة والشرطة، وذلك بتاريخ 26/8/2015 ولم ينفذ للآن.
زيارة خاطفة
أما زوجة المعتقل السياسي منذ 75 يومًا إسلام الشعيبي فتقول: زوجي موجود حاليًا في سجن جنيد بنابلس، وقد حُرمنا من الزيارة فترة طويلة بحجة وجوده بالتحقيق، حاليا يُسمح لنا بالزيارة مرة بالأسبوع لمدة لا تتجاوز نصف ساعة، ومع كل زيارة يزداد تعلق زوجي بابنتنا الوحيدة آيات، إذ يقضي معظم وقت الزيارة بمداعبتها والنظر بتقاسيم وجهها الصغير، وتكون أشد لحظات الزيارة قسوة هي فترة المغادرة، فآيات حينها تعانق والدها بشدة وترفض أن تتركه، ما يُبقي في قلب والدها حرقة ولوعة للزيارة القادمة.
وتضيف أم البراء "نحن نسكن في مدينة سلفيت، وزوجي تنقل خلال فترة اعتقاله الحالي من سجن أريحا إلى سجن بيت لحم، وموجود حاليا في سجن جنيد، ولا تستطيع الكلمات أن تصف معاناة الزيارة لتلك السجون، حيث يؤثر البعد المكاني على نفسية الأهل ويزيد آلامهم وعذاباتهم التي تتعدى ألم الحرمان من نجلهم، إلى التعب الجسدي والمالي".