مُنذ ساعاتِ الصّباح الباكرة، يستعد الشابُ الغزّي "أحمد"، للانطلاق إلى عمله، في أحد مطاعم غزة، ليبدأ يوم عملٍ جديدٍ، فيه من المعاناة والمكابدة الكثير، تلاحقُه الكآبة في كل زاويةٍ من زويا المطعم، قهرٌ يمزقُ فؤاده، وحسرة تملأ عينيه، التي حملت الهم والغم، بسبب سوء المعاملة، والنظام الإداري الظالم، بحق العاملين فيه.
يهمسُ "أحمد" وهو أبٌ لأحد الأطفالِ، ويداه ترتعشانِ، أنّ لولا الحال الصعبة التي يعيشُها هو وعائلته، لما قبِلَ بهذا العمل، الذي يتعرض فيه "للذل والمهانة" مقابل بضعة شواكل، تغنيه عن سؤال النّاس، والتوسل للجمعياتِ الخيريّة، من أجل مساعدة.
وأشار العامل الغزي "أحمد" أنّه يصلُ عمله، الساعة الحادية عشرة صباحاً، ويعود في نفس التوقيت مساءً، أي أنه يقضى اثنتي عشرة ساعة في عمله، مقابل 30 شيكلاً، يصرفُ منها سبعة شواكل، ثمن مواصلات.
نظامٌ ظالم
وعن معاملةِ مدير العاملين في المطعم، أوضح أن النّظام الإداري ظالمٌ جداً "لقد وقفت مرةً مائلاً ساقي قليلاً، بعد تعبٍ ألمّ بي، وإذا بمدير العمّال، يصرخ بي، ويمسكني من قميصي صارخاً، "قف معتدلاً، وإلا طردتك"، لافتاً إلى أن النظام الإداري في المطعم الغزّي يسمح بدخول دورة المياه، ثـلاث مرّات، خلال اثنتي عشرة ساعة.
يجلسُ "أحمد" قرب باب بيته، في مخيّم جباليا، للاجئين الفلسطينيين، بعدما طرده صاحب المطعم، لأنه رفض أن يكون تحت سطوة الظّلمِ والإهانة والمذلة، التي يتذوقها كل يومٍ خلال عمله، قائلاً: سأبحثُ عن عملٍ جديدٍ، لكنّي لن أتخلى عن كرامتي ولن أقبل بالظلم.
حال "أحمد" أفضل من حال الكثيرين من الشباب الغزّي، الذي بات يفترشُ الشارع، منتظراً فرصة عمل، في ظل استغلال أرباب الحرف والمحلات والمؤسسات للوضع الاقتصادي الصعب، في جلد العمّال، والانتقاص من حقّهم في المعاملة والأجر المادّي.
قانونٌ رائعٌ وواقعٌ مجحفٌ
وأكد "نضال غبن" مركز الديمقراطية وحقوق العمال في فلسطين، أنَ الظلم الذي يتعرضً له العمّال في قطاع غزة، ليس ظاهرة جديدة وطارئة، لافتاً إلى أن قانون العمل الفلسطيني، أقر بالعمل يومياً لسبع ساعات ونصف، وما دون ذلك يتقاضى العامل أجراً إضافياً عليه.
ولفت خلال حديثه لــ "فلسطين الآن" أن قانون العمل الفلسطيني، في غاية الرّوعة، ولكنّه أسف لأن القانون شيء، والواقع شيءٌ آخر، واصفاً إيّاه بــ "الواقع المجحف".
وأشار أن أصحاب العمل، يستغلّون قلة فرص العمل، وحاجة العاملين، لاستغلالهم وظلمهم، داعياً وزارة العمل الفلسطينية، إلى تكثيف رقابتها على المنشآت العاملة في قطاع غزة.
ونوّه "غبن" أن اثني عشر مفتشاً لـأكثر من 900 منشأة في قطاع غزة، لا يكفون للرّقابة والتفتيش، مطالباً أصحاب العمل أن يكونوا يداً رحيمة على العاملين لديهم، وأن يكون لديهم ثقافة إنسانيّة، لإنصاف العمّال.
وحمّل الانقسام، والوضع الاقتصادي الصعب في قطاع غزة، جزءًا من مسئولية الانتهاك الصارخ بحق العمّال الغزيين.
نقابة العمال
وأكد رئيس الاتحاد العام لعمّال فلسطين "سامي العمصي"، أن موضوع الظلم والإجحاف بحق العمّال الغزيين شائكٌ للغاية، مشيراً إلى أن 213 ألف عاملٍ عاطلٍ عن العمل، في قطاع غزة.
وأوضح في حديثه لـ "فلسطين الآن" أن العامل الفلسطيني في غزة، قبلَ بالظلمِ والقلّة، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في قطاع غزة، وندرة فرص العمل، لافتاً إلى أن العامل يعمل لساعاتٍ أكثر بأجر قليل، في مخالفة واضحة لقانون العمل الفلسطيني.
ولفت إلى أن العامل الغزي، يخشى أن يشكو صاحب العمل في حال ظلمه، لتجنب فصله من العمل، وطرده، إلى عالم البطالة والضيّاع في أوحالِ الفقر.
وبيّن العمصّي أن العامل يتنازل عن كثيرٍ من حقه، في حال ترك العمل، ليناله مباشرة، بدل أن يبقى على رفوف المحاكم لعدة سنوات.
وطالب وزارة العمل، بتحديد الحدّ الأدنى من الأجور، والتطبيق في قطاع غزة، على خُطى الضفة المحتلة، والبدء بالمؤسسات الكبيرة أولاً، والعمل بشروط السلامة المهنيّة في الأعمال، كالخوذة في البناء، والكمامة لدى عامل محطة الوقود، تجنباً للإصابة بأمراضٍ عديدة، ومشاكل كثيرة.
الصورة توضيحيّة، ولا علاقة لها بالموضوع