في وقت تتسارع فيه الأحداث والأخبار، وفي زمن وصف بـ "السرعة" وباتت عملية القراءة شاقة مملة، بدأت ملامح الحاجة إلى وجبات إخبارية سريعة مركزة شيقة وعالمية تطفو على الساحة مشكلة على الأقل حلا سريعا مؤقتا.
"أفنان الخطيب" فلسطينية مطلعة تقول بأن الكاريكاتير الفلسطيني لعب دورا كبيرا في القضية الفلسطينية وأرسل رسائل واضحة عنها على مستوى دولي .
وتضيف الخطيب: رسومات الكاريكاتير عبارة نوع من أنواع الفن، يساند الصحافة ويؤثران في بعضهما، وهو كناية عن رسائل مصغرة، توصل معلومة بطريقة ساخرة للمتابع بدون إعطاء تفاصيل كاملة، كما أن الصورة توصل الرسالة لو لم تكن مدعومة بأي كلمات.
"علاء الريماوي" مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية يرى أن الكاريكاتير حالة تعبيرية صامته، تحكي مشاعر الناس وتعبر عن حالة نقدية أحيانا قوية؛ لذلك في الساحة الفلسطينية برز الكاريكاتير كأداة ناقدة للاحتلال ومن ثم الحالة التعبوية ثم ناقدة للسلطة، أو مؤيده لها، بحسب الراسم والمرسوم له، هذا الدور برز فيه "ناجي العلي" ثم تبع هذا اللون رسامون كثر، لكن الأقوى من بينهم من يستطيع تحدي المحظور والحديث في الممنوع عبر ريشة تكشف مضامين النفس الصامتة وتعبر عنها من غير وجل.
رسام الكاريكاتير والطبيب "علاء اللقطة" وفي حديث خاص لـ"فلسطين الآن" قال: "استحوذت القضية الفلسطينية على اهتمام بالغ من ريشتي ليس لكوني فلسطينياً فحسب، بل لقدسية القضية كونها جزء من عقيدتنا كمسلمين، لذلك كان لريشتي دور النقش على ذاكرة الوطن جيلا بعد جيل، بثوابت القضية، وزرع مفهوم الولاء للوطن، والتشبث بالأرض وعدم القبول بأي بديل عنها، أو المساومة عليها، وتفنيد المقولة (الإسرائيلية) المزعومة يوم أن سلبوا أرض فلسطين: "غداً يموت الكبار، وينسى الصغار".
ويضيف اللقطة:" كما ساهمت ريشتي في دحض المزاعم (الإسرائيلية) بتصويرنا للعالم على أننا إرهابيين لا نفهم إلا لغة القوة والسلاح، وذلك من خلال تقديم فن راقي بأسلوب حضاري يفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية في قتل المدنيين الأبرياء وتهويد الأرض وتزييف التاريخ".
المقاومة الناعمة
ويكمل اللقطة حديثه :"دائما المقاومة الناعمة تجد لها صدى كبيراً لدى الرأي العام العالمي، وهذا الأسلوب يربك حسابات المحتل، ويضيق صدره ذرعاً به، فهو يصوّر للعالم أنه في حربٍ مع عصابات ومنظمات متطرفة، فتأتي الريشة لتبرز الجانب الإنساني من الصراع، وتؤكد على شرعية مقاومة المحتل، وحقوق الشعب الفلسطيني في حياة كريمة آمنة، ودولة مستقلة كباقي شعوب العالم، ويكمن سر قوة تأثير هذا الفن من خلال تقديم الحدث بأسلوبٍ ساخر ساحر، يختزل آلاف الكلمات في مشهد واحد موجز، ينتزع من القارئ ضحكةً مُرّة، ويترك أثراً عميقاً ممتداً".
ويرى اللقطة أن فن الكاريكاتير هو فن الصورة المعبرة والمعنى العميق، هو فن الضحك المر، حيث يقدم للمشاهد وجبة دسمة تختزل الحدث وتغوص في عمقه بطريقة ساخرة ساحرة، فن تستطيع قراءته في لحظات ويستوطن ذاكرتك لسنوات، وهو فن يعبر عن هموم الناس، ويعكس واقعها، ويتحدث بلسانها، لا تحده حدود، ولا يملك منه حصانة أحد مهما بلغ من منازل المسئولية والقرار.
الرسام الناجح
وحول مواصفات رسم الكاريكاتير الناجح يقول اللقطة:" الفكرة هي العنصر الأساس في فن الكاريكاتير، وهي اختزال لمشاهد كثيرة وأحداث جسيمة، يتم صياغتها بمهارة فائقة من خلال خطوط بسيطة تغني عن الكثير من الكلام.
وبالتالي فعلى رسام الكاريكاتير أن يكون صحفيا ماهرا، ومفكرا متميزا، وإنسانا مرهف الحس، صاحب تجربة في الحياة، ومثقفا من الطراز الأول، وفوق هذا وذاك صاحب ريشة مبدعة، إذا تجمعت هذه الصفات تُنتج لنا أعمالا أكثر عمقا وتأثيرا من المقال الصحفي.
الحياد ممنوع
ويرى اللقطة بأن فنان الكاريكاتير يجب أن يكون صاحب رسالة ومبدأ ليكون قريبا من نبض الشعوب. الفنان الذي تتراقص ريشته تبعا لمصالح شخصية محدودة يفقد بريقه مهما بلغ من المهارة، ويعزف عن متابعته الناس. والفنانون الذين خُلّدوا هم من آمنوا بالفكرة ودافعوا عنها ولقوا في سبيلها من العنت والتعب الشيء الكثير، بل منهم من قدم روحه فداء لفكرته ومبدئه. ولا يجوز لفنان الكاريكاتير أن يكون محايدا، لأن المحايد وإن لم ينصر الباطل فهو بلا شك قد خذل الحق. لابد لفنان الكاريكاتير أن يكون منحازا لشعبه وأمته وثوابته.
وختم حديثه قائلا: " وأخيراً لي أمنيةٍ شخصية: أن تكون آخر لوحاتي (لوحة التحرير) أخطها من بلدتي الفالوجة المحتلة عام 1948م في فلسطين حيث رفات آبائي وأجدادي".