13.34°القدس
13.1°رام الله
12.19°الخليل
16.82°غزة
13.34° القدس
رام الله13.1°
الخليل12.19°
غزة16.82°
الأحد 22 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

تقارير "فلسطين الآن"

المحرر "صبح" ثمان سنوات ونصف تحدى الاحتلال والسّجّان

اسير رفح
اسير رفح
رفح – محمد كمال

غمرت الفرحة قلب الأسير المحرر رائد صبح وذويه وأهله وأحبابه، بعدما أفرج عنه الاحتلال الإسرائيلي بعد ثمان سنوات ونصف قضاها داخل سجونه وزنازين عزله الانفرادية، تحدى فيها بجلده وصبره الاحتلال وسطوته والسّجان وظلمه، وأمضى أوقاتها معاهدًا نفسه ألا يلين ولو في موقف أمام سجّانه وعدوه.

تقرير أعده مراسل "فلسطين الآن" خلال حوار مع الأسير المحرر رائد عبد الرؤوف صبح بعد أن أفرج عنه الاحتلال في الخامس عشر منتصف فبراير الحالي، ويعرض تحديه وإرادته الصلبة في وجه السّجان طوال سني أسره الثمانية والنصف، وينقل صورة المعاناة والألم التي يعانيها الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.

" مع الفرحة دهشة ومع الدهشة عدم تركيز"، بهذه الكلمات وصف صبح شعوره بالحرية، وقال: "صعب جدا أن توصفها بكلمات أو شعر أو نثر أو إشارة، شيء غير طبيعي أن ترى كل الناس حوليك صغار وكبار".

ظروف الاعتقال

اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي رائد صبح 39 عامًا يوم 12/8/2007 في كمين للوحدات الخاصة الإسرائيلية أثناء أدائه إحدى المهمات لألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للمقاومة الشعبية في منطقة خزاعة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، كما أفاد خلال حديثه لـ"فلسطين الآن".

وأوضح صبح أنه تلقى تهديدات كثيرة من الاحتلال قبل اعتقاله بحيث يريدونه حيًا وليس ميتا، مشيرًا أن "الاحتلال كان ينتظر في هذه الفريسة لمعلومات خاطئة أن لي في موضوع اختطاف شاليط كوني كنت في ألوية الناصر صلاح الدين وكنت أسكن في رفح وانتقلت إلى خانيونس".

وقال: "حاول إخوة مرابطين في المكان تخليصي من كمين أعدوه، ولكن في النهاية تم اعتقالي واستسلمت لأمر الله وقضاءه وقدره، ومباشرة قلت: "اللهم إني أستودعك زوجي وأولادي وهم في ذمتك".

وتابع بقوله:" اليهود معروفون في قرآننا على مكرهم ودهائهم، قالوا لي: سنقصف شقتك وسنقتل جيرانك ونحملك مسئولية قتلهم، قلت: "قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"، مؤكدًا أن 12 محققًا حققوا معه لمدة 4 ساعات، وأضاف: "غموني وكتفوني ورموني يوم كامل تحت شجرة وأكل النمل جسمي وآلمني كثير جدا وبقيت آثاره 52 يومًا من التحقيق".

والمحرر رائد صبح متزوج ولديه خمسة من الأبناء ثلاثة أولاد وبنتين، ويسكن في مخيم يبنا جنوب مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتعود جذور عائلته لبلدة "بشيت"، ويعمل عسكري في قوات الأمن الوطني التابعة للسلطة، وأنهى خلال فترة اعتقاله الثانوية العامة ودبلوم عامين لتأهيل الدعاة.

تحقيق وحكم

بعد ثلاثة أيام من التحقيق الميداني في ظل الضغط النفسي نُقل صبح إلى سجن عسقلان للتحقيق في زنازين العزل الانفرادي، وقال: "أجلسوني على مقعد الكذب تقريبا 27 مرة، ودخلت عند العصافير ولم يأخذوا غير الاعترافات الموجودة عندهم، حيث وكانوا يريدون تهم تتعلق بتنفيذ عمليات، ولم يحصلوا على شيء".

ويروي صبح: "بعد 32 يومًا من التحقيق ولم يحصلوا على شيء مددوه التحقيق لعسكري، وعملوا على شبحي وكلبشوني من الخلف ورفعوا جسمي تقريبا 4 ساعات ونصف وأنا مشبوح ووقف كل جسمي وقلت أنا خلص انتهيت"، منوهًا أنه في هذا اليوم اعتقلوا المواطن مهاوش القاضي، وقالوا لي: "مسكنا إلي أكبر منك".

 وبين صبح أن الطعام الذي كانوا يقدموه خلال فترة التحقيق كأن كلبًا يأكل منه قبل تقديمه له، وكذلك يغلقوا الإنارة، مشيرًا أنه "أنا كنت أتجلى وقلت لهم أنا بكيف رغم الصراصير والحشرات الموجودة، كنت أرتاح في الخلوة وأنام"، ومنوهًا "أي إنسان أشعر أنه يريد أن يستفزني ويضعفني أتحداه بالتأقلم مع هذا الوضع لدرجة أن السجانين كانوا يُستفزوا مني".

وأصدرت المحكمة العسكرية حكمها على الأسير صبح في 26/10/2009 بعد قرابة عامين قضى أغلبها في العزل، وحكمت بسجنه ثمان سنوات ونصف. بعد جهد كبير من المحامية التي دافعت عن قضيته كما عبر شاكرًا لها هذا الجهد في تخفيض الحكم.

معاناة التنقل

واعتبر المحرر صبح أن "أكبر مأساة والتعذيب النفسي في السجن هو التنقل من سجن لسجن، ففي بعض السجون مكثت فيها 3 أيام فقط وبعضها 20 يوم وبعضها شهر، وأكثر سجن مكثت فيه 6 أشهر، ودخلت سجون ناس لها 20 سنة لم يدخلوها من كثر السجون التي انتقلت فيها".

وقال: "هذا التنقل هو حرب نفسية ثانية على الأسير، ففي رمضان 2008 كانوا يخرجوني من الساعة 8 صباحا ويلفوا في من سجن لسجن ومن باص لباص، حتى في الباص يضعوني في مكان منعزل، ويرجعوني على سجن كنت فيه وينزلوني المغرب وثاني يوم يقولوا لي عندك نقل الساعة الثامنة صباحا".

وأكد أنه خلال هذا الشهر نقلوه من 7 إلى 10 مرات بذات الطريقة السابقة، وقال: "ومع ذلك لم أتنازل ومكثت 31 في الزنازين 20 يوم منهن رمضان ونقلوني بعدها على زنازين سجن هداريم".

ويتابع: "في هداريم رفضت أن ألبس البدلة البرتقالية، وقضيت باقي رمضان فيه، وعندما جاء الصليب لم يلاحق أن يزيل الصراصير عني من كثرتها حيث كانت غرفة سيئة جدا، ولا يأتي لك نفس أن تشرب مياه، ورفعنا عليهم اعتراض ونقلوني إلى سجن آخر".

ونوّه أنه حتى قبل خروجه بثلاثة أشهر نقلوه من سجن "نفحة" إلى "ريمون" ولم يكن مكث في "نفحة" خمسة أشهر فقط، ليمضي المحرر صبح طوال سني سجنه متنقلًا بين السجون وأقسامها دون استقرار.

تحدٍ للسجان

هدد صبح في سجن "ريمون" ضابط الأمن الإسرائيلي بعد أن جاء بقرار تعسفي أثناء العدوان على قطاع غزة عام 2008 لعدم الخروج للفورة إلا ساعة واحدة لكل ثلاثة غرف خوفًا من هجوم الأسرى على السجانين.

ويروي بقوله: "قمت من الصلاة وهجمت عليه، وقلت له أنت كلك 3 سنوات فقط بأضربك شفرة من فوق لتحت وإن تأبدت فيك بأتأبد مش فارقة معي، وأتى الأمين العام وكان يريد الضابط أن ينقلني فرفض الأمين العام وقال للضابط أنه لو نقلناه سننقل 45 أسير من غزة".

وأضاف: "وبالفعل لم يحصل ما يريد، وكنت أنا الوحيد طوال أيام الحرب أخرج إلى الفورة وقت ما أريد والباقي يخرجوا ساعة فقط"، مؤكدًا أن "اليهود بلا قوة لن تحصل على حقوقك منهم".

وأضرب صبح أسبوعًا كاملًا عن الأكل والمياه عام 2010 بعد قمعه من سجن "نفحة" إلى "ريمون" بعد رفض إدارة السجن ومماطلتها للسماح باتصاله بأهله لتعزيتهم بوفاة والدته.

وقال: "طلبت النزول على الزنازين، وأضربت أسبوع كامل أكل ومياه، وأي إنسان بشري لا يصدق أن إنسان يضرب عن الأكل والمي، وعندما أعلمتهم ضحكوا علي، أول مرة واحد يضرب أكل ومياه، ممكن أكل ولكن المياه!".

وطلب من أحد الأسرى الذين قدموا إلى زنزانته بالتوقيت معه أن يخرج منها بالقوة بعد أسبوع كامل من الإضراب عن الأكل والمياه، ويقول: "وفعلا خرج، ودخلت قوة وهزوني هز ولو كنت بقوتي لضربت الممرض، وأحضروا حمالة وأحضروا دكتور ووضعوا جهاز للفحص ولم يجحدوا في جسمي شيء يعمل، وحاولوا إشرابي دواء ومياه ورفضت".

وأشار أن طلبه من إضرابه أن يخرج المسئول من سجن "ريمون" من إدارته أو يتم نقله هو إلى سجن آخر، مضيفًا: "قال لي نائبه أنت مجنون تفكر حالك مين، قلت له: "أنتم ترضون فيه هذا أمركم أنا مش مجبر، انقلوني على سجن آخر".

وتابع: "وأعادوني إلى الزنزانة، وأحد الضباط قالي أنت بدك تموت، قلت له :إذا ربنا كتب موتي خلص، لن أجيب عمر لنفسي، وربنا إذا أراد أنكم تنصاعون لأمري وتنقلوني حتنقلوني، وإذا أراد أن أموت هنا سأموت هنا".

ويتابع مشهد الضابط الذي سمع كلامه ويقول: "كان جالس ووقف وقال لي كلمة: كل احترام لك، وخرج وغاب  دقائق ونادى على كل الشباب في الزنازين وقال أوعدكم أن يفك إضرابه اليوم الأحد الآن ويوم الثلاثاء ننقله على سجن آخر، وإذا لم أفعل ما أريد خوضوا الإضراب كلكم، وبالفعل فكيت الإضراب ويوم الثلاثاء نقلوني من ريمون على إيشل، والحمد لله رب العالمين".

رسالة الأسرى

وأشار صبح خلال حديثه أن الأسرى في حالة استنفار بسبب القيق، منوهًا أن وذهبت كل غرف الأسرى سلمت رسالة لإدارة السجون أن الأسرى إذا حدث للقيق شيء في حياته أن الأمر سيكون المرة هذه واحد مقابل واحد.

 وأكد أن رسالة الأسرى للشعب إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة، ووجه رسالة إلى الناس:" الناس ينقصهم الدعاء للأسرى، الواضح أن هناك تقصير في الدعاء للأسرى في المساجد، والأسرى كانوا دائما يدعو لأهل غزة في حروبها، وهذا شيء مهم".

وطالب أهالي الأسرى أن يراعوا ظروف أبنائهم النفسية، وقال:" اتقوا الله في أولادكم، لماذا يخرج أولادكم مديونين؟، تصرفون رواتبهم"، مضيفًا: "أسير يقضي شبابه في السجن ويخرج لا يجد بيت ملك ولا يجد مالا ليتزوج، وكثير منهم يخرجوا ليجدوا أنفسهم مديونين".

وطالب المجتمع الفلسطيني بالتفاعل مع فعاليات الأسرى وزيارة أهاليهم، وقال للمقاومة: "الأسرى ينتظرون الحرية".