تحاول حكومة الوفاق الوطني، بكل الوسائل غير المشروعة والمباشرة وغير المباشرة إجبار المعلمين على وقف إضرابهم والعودة للتدريس، بعدما أثبتوا قدرتهم الفائقة على التنظيم والعمل الجماعي والموحد ورفضهم لأية حلول جزئية لا تلبي مطالبهم.
فمن التصريحات والبيانات الصحفية الصادرة عن رئيس الحكومة رامي الحمد الله أو وزير التربية والتعليم صبري صيدم، التي تهدد باتخاذ إجراءات بحق المضربين، مرورا بمحاولات تأليب الرأي العام عليهم، وصولا إلى محاولة تسييس الاضراب من خلال القول إن حماس هي من تدعمه، وأن المضربين يتلقون تعليماتهم من غزة، وهو ما نفوه بشكل مطلق، مؤكدين أن خطوتهم نقابية بحتة.
لكن ما هو أخطر من ذلك، المس جسديا بالمعلمين وتهديدهم وإطلاق النار على ممتلكاتهم.
وأكبر مثال على ذلك ما جرى صباح اليوم (الثلاثاء) من اعتداء عناصر محسوبين على تنظيم فتح في قرية فصايل بالإوار، على معلمين مضربين في مدرسة فصايل الثانوية، لدرجة إصابة معلم بجراح ونقله للمستشفى وتعرض معلمة لحالة إغماء بسبب العنف الذي تعرضت له هي وزملائها.
قبل هذا كان عناصر محسوبون على جهاز الوقائي يجوبون مدارس في نابلس وجنين وقلقيلية، ويهددون المعلمين المضربين، بدعم من عناصر في تنظيم فتح. جاء هذا في وقت تعرض فيه معلم مضرب من بلدة دورا في الخليل لإطلاق نار على بيته وسيارته.
معلمون متطوعون
ونقلت مواقع إخبارية عن طالبة من مدرسة عصيرة الشمالية الثانوية للبنات بنابلس، قولها إن "أشخاصاً من بلدية عصيرة الشمالية دخلوا إلى مدرستها وطالبوا المعلمين بتعليق إضرابهم. مشيرة إلى أن "نساء متطوعات يأتين للمدرسة لإعطاء حصص بدلاً من المعلمين المضربين".
وقالت إحدى المعلمات في المدرسة ذاتها إن "مجموعة رجال برفقة متطوعين دخلوا إليها وطالبونا بوقف إضرابنا، وقالوا إنه إن لم نفك إضرابنا سيدخل المتطوعون إلى الصفوف بدلاً منا وكان برفقتهم رئيس البلدية (ناصر جوابرة) وعضو وأشخاص من حركة فتح. ولم أسمح للمتطوعين بدخول الصفوف وذهبت للطالبات كي يعدن لبيوتهن". وأشارت المعلمة إلى أنه في مدارس أخرى مثل مدرسة الذكور الأساسية في البلدة دخل المتطوعون وأكدوا أنهم سيعودون مجددا.
الدوام بالقوة
وزارة الحكم المحلي دخلت على خط إفشال الاضراب، حيث تم التعميم على المجالس البلدية والقروية بالضغط على المعلمين المضربين والتهديد بمنعهم من الدخول للمدارس، أو التنسيق لجلب متطوعين، وصولا إلى التهديد بنقل المعلم المضرب إلى قرية أخرى.
المجلس القروي للنزلة الشرقية في طولكرم، عمم "محضر جلسة" -وصلت "فلسطين الآن" لاجتماع أولياء الأمور ووجهاء القرية ومجلس الآباء والمدرسين، أكدت أن الاضراب تعطيل للطلاب وسياسة تجهيل ومطلب لأعداء الأمة..
وخرج الاجتماع بتوصيات، أهمها إلزام الاهالي بإرسال ابنائهم للدراسة، وأن أي معلم سيبقى مضربا سيوقع الأهالي ورقة لنقله، مع إمكانية توفير بدلاء أو السماح للخريجين من أبناء القرية بإعطاء حصص مكان المضربين.
وزارة الإعلام التابعة للسلطة، أبلغت الإذاعات المحلية بعدم استضافة أي معلم مضرب أو أي ممثل لحراك المعلمين، وتضمن التعميم تحذيريا ضمنيا بإمكانية وقف بث اي إذاعة ترجو للإضراب أو تستضيف معلمين مضربين.
محاولات ناعمة
السلطة جربت حظها مع السياسيين من خلال طلبها من الفصائل والقوى الوطنية -التي في جيبتها- أن تضغط تجاه إنهاء الأزمة. فاستجابت القوى الوطنية في محافظات مختلفة، وأصدرت بيانات دعت فيها المعلمين للعودة للتدريس والبحث عن أساليب أخرى لنيل حقوقهم.
وجاء في تلك البيانات "إن القوى الوطنية وهي تؤكد وقوفها إلى جانب عدالة القضايا المطلبية والمعيشية للمعلمين، بل واستعدادها التام للمشاركة في فعالياتهم الاحتجاجية التي كفلها القانون، فإنها تؤكد على ضرورة استحداث أساليب ضغط وتأثير من اجل نيل حقوقهم دون المساس بالمستوى أو مستقبل العملية التعليمية".
وتابع "لذا تهيب القوى الوطنية بالأخوات والأخوة المعلمين، بضرورة إعادة تكييف وصياغة برامجهم وخطواتهم الاحتجاجية حفاظا على حق طلابنا في التعليم، فكما هي مطالب المعلمين أمانة في أعناقنا فان المستقبل التعليمي لطلابنا أيضا أمانة في أعناقهم، لا سيما في ضوء استجابة الحكومة لكثير من مطالبهم وتعهد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بالتسريع بإجراء انتخابات هيئات الاتحاد".
للمحافظين.. كلمة
كما أن محافظ محافظة قلقيلية -القائد السابق في جهاز الوقائي- رافع رواجبة، قال إن "موضوع حقوق المعلمين ومطالبهم العادلة لا يختلف عليه اثنان، لكن مصالح شعبنا وطلبتنا هي أيضا مقدسة، فلا يعقل أن تستمر الاضرابات في المدارس وطلبتنا في الشوارع يعانون ما يعانون في ظل الاستهداف الإسرائيلي الواضح لهم"، على حد تعبيره.
"حماس وراء الاضراب"
لكن موقف رواجبة لا يساوي شيئا أمام ما تلفظ به محافظ نابلس أكرم الرجوب، إذ اتهم حركة "حماس" بقيادة إضراب المعلمين لأهداف سياسية، مشيراً إلى أن هذا الإضراب أصبح "عبثاً وطنياً" يهدد جيلاً بأكمله.
وقال الرجوب في تصريح نشره على حسابه في "الفيسبوك" إنه "ليس من المعقول أن نبقى صامتين على هذا العبث"، لافتا إلى أن الحكومة التزمت باتفاق عام 2013 ولم يتبق شيء لكي يبقى الإضراب مستمراً.
وأضاف "الإضراب لم يعد له علاقه بحقوق، بل هو اضراب له أهداف سياسية تقوده حماس، وبالتالي علينا جميعا أن نعمل من أجل إعادة العملية التعليمية إلى سياقها الصحيح".
المجتمع المدني
كما أن الكتل البرلمانية تحاول جاهدة إنهاء الأزمة، إذ أعلنت عن اتفاقها وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، مع الحكومة، على عدة نقاط لحل قضية المعلمين بشكل سريع، والعودة للمدارس.
الاتفاق ينص على دفع 24 مليون شيقل للمعلمين بعد أسبوع من العودة للدوام، ومثلها (24 مليون شيقل) دفعة ثانية للمعلمين ما بين 1-4 و1-5، وصولا لدفع ما تبقى من الديون بحد أقصى في الأول من أيلول المقبل.
مستنكفون!!
وبعد فشل كل تلك المحاولات، أعلنت الحكومة انها قررت "اعتبار المعلمين المضربين عن الدوام مستنكفين"، استنادا الى قانون الخدمة المدنية، وبالتالي لهذا القرار ابعاده القانونية الكثيرة، خاصة في ظل عدم وجود مظلة شرعية نقابية توفر الغطاء القانوني للإضراب كخطوة مطلبية نقابية.
وتستند هذه الخطوة -كما ادعت الحكومة- إلى قانون العمل الفلسطيني الذي يمنح شرعية الاضراب فقط للجهات النقابية المرخصة والمعروفة على أن يتم ابلاغ الجهات الرسمية بقرار الاضراب قبل اسبوعين من بدئه.
مطالب عادلة
يقول البرفيسور د. عبد الستار قاسم إن "مطالب المعلمين عادلة لأنهم عانوا كثيرا من النقص المالي عبر السنوات الطويلة. دائما كانت رواتب المعلمين غير كافية، وبالكاد يستطيع المعلم تغطية نفقاته الشهرية".
وتابع في حديثه لـ"فلسطين الآن" إن "استمرار إضراب المعلمين يلحق الضرر بالتلاميذ على كافة مستوياتهم، لكن المعلمين ليسوا مسؤولين عن هذا. المسؤول الأول والأخير عن إلحاق الضرر بالتلاميذ والمدارس هو رئيس السلطة وحكومته التي لا يبدو أنها على رشاد" -كما قال.
واستدرك "لو عملت السلطة منذ البدء على إعادة ترتيب النفقات واسترشدت بخبراء في الإدارة المالية لوفرت الأموال اللازمة لرفع رواتب المعلمين بصورة جيدة ومقبولة"، معبرا عن رفضه لتحميل المعلمين مسؤولية الأضرار التي تلحق بالتلاميذ، قائلا "وهذا إجحاف وظلم ويعبر عن قلة معرفة بالإدارة المالية الفاسدة المتبعة في ديارنا.
وتمم "هناك ما يكفي من الأموال إذا قررنا إقامة ميزان العدالة وانتبهنا إلى مبادئ حسن التوزيع. المشكلة أن الذين ينهبون أموال الشعب الفلسطيني لا يريدون التفريط بمكاسبهم المالية وامتيازاتهم الشخصية. ليحيوا هم وليذهب بعد ذلك شعب فلسطين إلى الجحيم".
وتتمثل مطالب المعلمين بتطبيق الاتفاق الذي تم بين الحكومة والاتحاد السابق والتعديل على بعض البنود ليصبح كالتالي:
1- إلغاء أدنى مربوط الدرجة من تاريخ التعيين.
2- فتح الدرجات لكافة العاملين في سلك التربية والتعليم.
3- تطبيق علاوة غلاء المعيشة البالغة 2.5% على أن يتم إدراجها في الراتب الأساسي وأن تدفع بأثر رجعي من تاريخ توقفها التي تعادل حاليا 7.5% متراكمة وبشكل فوري.
4- دفع 10% للإداريين أسوة بالمعلمين، مع اعتبار كل من يعمل بسلك التربية والتعليم معلم.
5- استكمال صرف ما تبقى من علاوة طبيعة عمل 10% المتفق عليها وبأثر رجعي من تاريخ الاتفاق المبرم في 2013 وبشكل فوري.
6- عدم المساس بالمطالبين بحقوقهم لا إداريا ولا ماليا ولا بأي شكل.
7- تعديل قانون التقاعد بحيث يكون منصفًا.