18.57°القدس
18.25°رام الله
17.19°الخليل
23.67°غزة
18.57° القدس
رام الله18.25°
الخليل17.19°
غزة23.67°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

يعيش السجين على فكرة التوقع .. ويتنفس الرؤى والأحلام ..

6=
6=
كفاح أبو هنود

الأحلام يا سيدي خطيرة في السجن فهي التي تبقيك على نافذة الأمل .. ربما لبضع سنين كما جرى مع يوسف .. قد تبدو مثل حبل ضعيف .. لابأس فهي الخيط الوحيد الذي ينتشلك من فراغ البئر !

ترى من الذي يفهم كيف يعيش السجين .. كيف يعد خطواته ويحفظ يومه ويسمع صوت الساعة وهي تدق في عمره !

كيف يتلقى النهار كل يوم دون ألوان .. دون شمس .. ودون صوت الصباح !

هل جربت أن تعيش الليل والنهار خارج الطبيعة .. خارج فطرة الحياة .. ان تضبط يومك بالساعة وليس بتموجات الشمس وألوان الشفق وسكون الغسق !

هل تعرف كيف تصبح حياة أمك وأبيك وحبيبة القلب خبرا على ورقة عبر الصليب الأحمر .. أو خبرا جافا ليس فيه لغة العيون ولا دفء الأيدي الحميمة ...

كيف تنتظر عمرك كي ينتهي لان باب الزنزانة له موعد مع انقضاء ٢٠ او ٣٠ عاما من بقية شبابك

من يُحصي نهايتُه الا السجين ! .. من يظل حبيس أسراره وتفاصيل الوجع ..

هل تدري أن للحزن مدة صلاحية ! ثم بعد ذلك لا تصبح صالحة للاستهلاك والحديث !

تصبح ثقيلة في العمق تعجز عن اجترارها او سحبها وتموت بها !

الحزن مثل الفرح يجب ان نلتهمه طريا او يصبح قطعة باردة يرفض الآخرون الاستماع لها ولا تعرف انت كيف تحييها فقد تكلست فيك !

الحزن مثل قطرات الماء يحفرنا بهدوء ثم يبقى شاهدا في دواخلنا على كل اللحظات التي كانت رمادية .. ولا يتركنا الا ونحن جزء منه .. جزء من صمته ..

لا ادري لماذا نصمت في الأحزان ونثرثر كثيرا في الفرح !

هل لان الحزن اكبر من أن تصفه اللغة والفرح أقرب الى سذاجة اللغة !

يهرول السجين بين نفسه ونفسه وحين يغادر السجن يكتشف كم كان مبتورا لأعوام طويلة عن أشياء يحتاج ان يعود طفلا او شابا كي يعرف كيف يتذوقها .. لا شيء يرد على السجين صوت اليمام في نهار كانت فيه أمه بعافية !

لاشيء يرد على السجين طعم الحب في تفتقه واندهاشة اللحظة الدافئة .. لاشيء يرد عليه عصف الحياة في فورة الأفكار والأمنيات .. لاشيء يرد على السجين صوت التاريخ الذي يسردونه له كل مساء عن حكايات مضت بدون ان يسجل فيها حضورا .. مضت بدونه تماماً .. مضت بكل حمولتها وغادرته دون ان تمنحه حقه الطبيعي ان يكون فيها إنسانا !

كيف ترى عينه وجه حبيبته .. كيف هجمت كل تلك التجاعيد على جبينها .. كيف انطفأت عيناها .. وكيف أصبحت مشيتها ثقيلة الى حد تشعرك بأنها ذات يوم سافرت في الحزن كثيرا

يتحسس السجين نفسه كل يوم .. فلا أحد يدرك كيف تعمل الزنزانة في القوى مثل السجين .. كيف تلتهمه وتتناوله بالهوينا .. يتعارك مع زنزانته وينتصر عليها لكنها تملك مفتاح القيد.. تسخر منه وتشعل آلامه وتظل في دهاء هي الأقرب إليه !

ستظل الزنزانة كلمات مبهمة حتى يسجلها جسد السجين عبر نبضه اليومي .. عبر حوارات الوجع .. وعبر إيقاع الزمن فيه ..

وهيهات هيهات .. ترى لماذا تبقى بعض التجارب في الارض قصية عن الصورة .. بعيدة في الصمت .. كأنها قطعة من العذاب الذي لا يمكن تفسيره الا ساعة الجزاء !

الأسرى .. كيف يتماسك الأسرى ؟! ... هل تراهم مثل السائرون على الصراط يتوازنون بأعمال الروح .. يتوازنون بأمر خفي ليس من معاني البشر .. يتوازنون بما لا نرى .. ربما لأنهم يملكون دوننا ما لا يرى !

اكثر ما يعذب السجين هو انتهاك خصوصيته .. إذ لا مساحة خاصة له .. لا مساحة كي يمارس طقسه الشخصي دون كاميرات وإضاءة وحشود تمتلأ بها الأمتار التي يقيم فيها .. الانسان كائن معقد فكيف يجعلون منه كائنا مبسطا ! .. كائنا بلا أشواق وبلا دموع أوحاجات يسترها عن العين العامة ..

في فطرة الإنسان رغبة دفينة في حماية جسده رغبة تتحرك بلا وعي مسبق مثل مشهد آدم وحواء

كان آدم رمزا للسلوك الجديد .. سلوك الخصوصية والستر وامتلاك السياج الذاتي .. وكان الاحتلال في السجون أشبه بالشيطان الذي يمضي في إبراز العورات

صدقني لا أحد يرغب باكتشافه تماماً !

لا أحد يقبل استباحة عوراته .. والعورة تبدأ جسدية وتنتهي نفسية كلما ترقينا بالعلم

تبدأ غليظة لكنها تعلو حتى تصبح دمعتك عورة .. وآهاتك عورة .. وحواراتك الداخلية عورة ...

تود لو تحتوي كل نقط الضعف فيك .. تود لو تلقي بكل ورق الدنيا على تفاصيلك الخاصة .. إن آدم في لحظة لا شعورية كاد أن يغطي نفسه بكل ورق الجنة !

نحن نرتاح في لحظة امتلاك أجسادنا والسيطرة على عالمنا الشخصي .. ونقلق وربما نشعر بالقهر اذا كان كل شيء فينا ملقى للعيان كأننا شجرة يعريها الخريف ورقة ورقة !

يتحرك الاحتلال بخبث وينتزع أوراقك ويبقيك في زمن ما قبل آدم .. في زمن التجرد المادي .. يشعل السجن نورا ويحشرك مع أرقام بشرية تسمع صوت ثرثرة الأحلام وقرقرة أمعائك .. ربما تود لو تقضم وسادتك شوقا لزوجتك لكن صوت وجعك مباح فتقضمه ويشتد عليك الأنين

كيف يحتمي الأسير من الوساوس اذا هجمت عليه .. كيف تحتمي القشة من العواصف السوداء .. وكيف تظهر فجأة في ليلة واحدة ولا تغادر الا وقد

تركته هشيما .. ومن يرغب أن تطالعه العيون وهو يلم حطامه !

ربما تشتهي لو تبكي وحدك .. لو تصرخ بكلمات تفهمها أنت .. وربما تذبل أو تتراقص مثل ذبالة تحترق .. ربما تحب وتكره وتضعف وتسمو وتود لو أن احدا لا يراك وانت تكبو .. ما أخبث الاحتلال اذ يدعنا سجلا مفتوحا ودفترا ليس فيه سطرا مخفيا .. فينتهكنا ويكسر قوتنا اذ يظهر كل مواطن ضعفنا دون ورقة واحدة نختبيء خلفها !

يهرع السجين الى عقله .. ويتشبث بروحه فتلك التي سينتصر فيها على إرادة السجان

كل الأسرى العظماء في كل العالم كانوا دوما يحاربون في مساحة ضيقة .. في الكتاب .. هل انتبهت لماذا

الكتاب مكاناً تتحرك فيه كما تشاء .. تصرخ في داخلك للحظة امتلاك الحقيقة التي لا يتذوقها سواك

تبتهج روحك لسطر من الجمال فلا يرى أحد روحك وهي تنتشي فرحا

تغيب بعيدا في عوالم الفكر فلا يقدر غيرك ان يعد خطواتك ومدى المسافات التي انتعلتها في السمو والارتفاع

تشعر بذاتك وهي تنمو ومعاني عقلك وهي تتسع ويظل السجان عاجزا في تلك الساعة عن ان يتناولك بالحصار

تتماهى مع حكاية حب او تجربة عشق وتغمض عيناك فلا يمتلك المشهد سواك

تمتلك الكتاب وتلك هنيهة من الامتلاك اللذيذ والتاسمي عن القضبان .. أو ربما هي ساعة التوقيع على ابتداء توقيت الحرية !