ثلاثة فلسطينيين قتلوا من بلدة السيلة الحارثية غربي جنين، خلال الأشهر القليلة الماضية، اثنان منهما برصاص أشخاص آخرين، والثالث قتلته الأجهزة الأمنية خلال اقتحامها للبلدة.
القصة بدأت في الأسبوع الأخير من شباط -فبراير الماضي، عندما قتل شاب من عائلة "أبو جاسر" الأسير المحرر أيمن جرادات "45 عاماً" بإطلاق النار عليه خلال حضوره حفل استقبال أسير محرر على مدخل البلدة.
المعلومات تؤكد أن الحادثة "ثأرية"، بعد اتهام المغدور الذي كان عنصرا في مجموعات "الفهد الأسود" التي تتبع حركة فتح، بالمسئولية عن مقتل مواطن في بلدته قبل نحو 25 عاما بتهمة العمالة للاحتلال الإسرائيلي، وبناء عليه اعتقلته قوات الاحتلال لنحو عقدين في سجونها.
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، ادعى محافظ جنين اللواء إبراهيم رمضان، اعتقال عدداً من المشبوهين في ضلوعهم بجريمة قتل جرادات. وأضاف: "هذا موضوع خطير جداً والاقتراب منه سيفتح أبواباً غير طبيعية لتداعيات خطيرة تهدد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي والمناضلين الذين حملوا المشروع الوطني ودافعوا عنه"، على حد زعمه.
قتيل جديد
بحثت عائلة المقتول عن غريمها، فوجدت ضالتها في مخيم شعفاط شمالي القدس المحتلة.. وبعد مراقبة حثيثة لعدة أسابيع، توجهت يوم 26-5-2016 مجموعة من أبناء السيلة وعائلة جرادات للمخيم، لكن حصل ما لم يكن بالحسبان.
فقد قتل أحمد محمد جرادات (27 عاما)، وأصيب شابين من رفاقه خلال محاولتهم سحب شاب من عائلة "أبو جاسر" يعمل في صالون للحلاقة في شعفاط منذ (5 سنوات)، مدعين بأنهم عناصر في الوقائي، وعندما كشف أمرهم أطلقوا النار على قدمه، ما دفع أهالي مخيم شعفاط للتوجه إلى المكان ظنا منهم أن إطلاق النار تم من قوات خاصة للاحتلال، وأطلقوا النار، فقتل المذكور.
ونُقل عن مدير بلدية السيلة الحارثية محمد جبارة، قوله إن الشاب الذي أطلق النار على المغدور ليس من السيلة.. حتى أن عائلة جرادات لا يتهمون عائلة أبو جاسر بالقتل، وسمعت من مصادر بأنهم أرسلوا لأهالي مخيم شعفاط يقولون لهم إن القاتل من المخيم ولنا حق عندكم"، كما قال.
أما الناطق الإعلامي باسم الشرطة الفلسطينية لؤي إرزيقات، فأشار إلى أنه "إلى الآن لم يتم إلقاء القبض على أحد، مبررا ذلك بأن المتهم الرئيس يحمل الهوية الإسرائيلية وموجود حاليا في مستشفيات الداخل، وأن الحدث تم في مخيم شعفاط وهو خارج سيطرة السلطة الفلسطينية وتحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي".
وأحرقت مجموعة من أهالي القتيل بعد سماع الخبر أكثر من خمسة منازل ومنشآت أخرى فارغة منذ رحيل عائلة "أبو جاسر" من بلدة السيلة بعد حادثة القتل التي وقعت قبل عدة أشهر وذهب ضحيتها المحرر أيمن.
مصدر في البلدة قال إن "الشرطة الفلسطينية كانت متواجدة أمام منازل ومنشآت عائلة "أبو جاسر" الفارغة منذ حادثة القتل الأولى، وأنها أحضرت حشدا من الأمن الوطني والشرطة الخاصة لحظة سماع خبر مقتل الشاب "أحمد جرادات"، إلا أنه وبعد وقت قصير تصاعد الدخان من البيوت!!!!".
مأسأة ثالثة
كالجمر تحت الرماد كانت تعيش البلدة، وتنتظر الشرارة التي تعيد الوهج للنار الخامدة.. وهو ما كان على أيدي عناصر أجهزة الضفة، بقتلهم للشاب عادل جرادات.
لكنه ليس قتل خاطئا، بل مع سبق الإصرار والترصد.. وهو ما كشف عنه تحقيق أجراه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية سحلت جردات 300 متر قبل نقله إلى المستشفى بسيارة مدنية، ومن ثم إعلان وفاته بوقت لاحق.
ووفق تحقيقات المركز، فإنه في حوالي الساعة 4:30 فجر الثلاثاء الموافق 7 يونيو 2016، طوقت قوة مشتركة كبيرة من الأجهزة الأمنية، حارة الجرادات، جنوبي بلدة السيلة الحارثية.
وأثناء تفتيش منزل المواطن يحيى يوسف جرادات (41 عامًا)، في منطقة كوع البلاط، جنوب غربي الحارة ذاتها، وقع "رشق للحجارة على دوريات الأجهزة الأمنية من عدد قليل من فتيان الحارة، وما بين أفراد تلك الأجهزة الذين ردوا بإطلاق النار".
ووقت خروج المواطن عادل جرادات من منزل خاله، من أجل التوجه لمكان عمله في سهل مرج بن عامر-يعمل مزارعًا-، نادى على الأجهزة الأمنية من مسافة تقدر بحوالي 30 مترًا وخاطبهم أنه يريد الخروج لعمله... فصوب أحد أفراد الأمن ويعمل في الشرطة الخاصة سلاحه نحو الضحية، وأطلق أربع رصاصات تجاهه أصابت إحداها الضحية في فخذه فسقط أرضًا.
وفي تلك الأثناء، أطلقت الأجهزة الأمنية النار بالهواء بكثافة، فهب ثلاثة من رفاق الضحية لحمله فحملوه وهربوا به، إلا أن الأجهزة طاردتهم، وأطلقت عليهم قنابل الغاز من أجل أن يتركوه تحت وابل الرصاص عليهم بشكل مباشر، ما حدا الشبان لتركه على الأرض.
وفي أعقاب ذلك، أمسك اثنان من الشرطة الخاصة الضحية كل واحد من من يد وجروه لمسافة 300 متر، ومن ثم تم نقله بسيارة خصوصية تعود لأحد أقربائه لإيصاله إلى مستشفى خليل سليمان الحكومي يرافقه اثنان من أفراد الشرطة الخاصة، وجرى إعلان وفاته جراء النزيف الحاد في وقت لاحق.
وأوضح المركز أنه وفق المعلومات التي حصل عليها فقد شكل محافظ جنين، لجنة تقصي حقائق خاصة من أجل الوقوف على ملابسات الحادثة، معبرا عن استنكاره الشديد للاستخدام المفرط للقوة ضد المواطنين، وأكد على ضرورة التزام الأجهزة الأمنية بمعايير إطلاق النار، ووفق قواعد التناسب وفق ما أقرته المعايير الدولية.
كما أكد على أن عدم وجود سيارات إسعاف في مكان العملية الأمنية وفق ما يستنتج من شهود العيان، لهو مؤشر خطير على إهمال واضح في توفير تدابير السلامة، ويمثل إخفاقًا واضحًا للجهات المسؤولة عن العملية، ويستوجب المساءلة.
تبعات خطيرة
تبعات كثيرة ترتبت على قضية مقتل الشاب الثالث، أهمها نقل قائد قوات الأمن الوطني لمحافظة جنين العقيد ركن محمد أبو هيفاء من عمله في جنين إلى محافظة الخليل، في حين تسلم قائد منطقة الخليل العقيد ناظر عمر مكانه، على الرغم من أن أبو الهيفاء ليس المسئول عن قضية مقتل جرادات، إلا أنه بحكم عمله قائدًا للمنطقة وبحكم الفشل في إدارة الأحداث والتداعيات المتلاحقة في بلدة السيلة الحارثية التي انتهت بمقتل مواطن، ما أثار ردود فعل غاضبة تجاه السلطة، لذا استوجب الأمر قرارات كهذه.
وتنتاب حالة غضب شديد قيادة السلطة الفلسطينية من الواقع الأمني هناك، فليس في السيلة وحسب، بل أن مواقع كثيرة في محافظة جنين تشهد عمليات فوضى وفلتان وإطلاق نار.. آخرها بحق مركز شرطة بلدة اليامون غرب جنين قبل عدة أيام.
وفي محاولة فاشلة -حسب المتابعين- لوضع حد لتلك الأحداث، عقدت عدة اجتماعات أمنية متوالية غير معلنة وبعيدة عن الإعلام كان آخرها بحضور رئيس الوزراء رامي الحمد الله، الذي أعرب عن القلق من عودة الفلتان لجنين وتكرار الحوادث الأمنية دون قدرة أمن السلطة على ضبطها ومعالجتها مما أدى لتفاقمها.
وشهد اللقاء -كما سربت مصادر- اتهامات للأجهزة الأمنية ورسائل توبيخ لسلوكها خاصة ما يتعلق بالتشدد في متابعة قضايا أمنية، والتراخي في متابعة أخرى تبعا لنفوذ الأشخاص المرتبطين بتلك القضية.
وأشارت المصادر إلى أن الحمد الله استعرض لقادة الأمن تقارير وصلته عن الحالة الأمنية في جنين ومنها إطلاق النار على أشخاص دون أن تنتهي كثير من تلك القضايا باعتقال المتسببين ومحاكمات، فيما تم إعطاؤهم مهلة لمعالجة كافة القضايا الأمنية.
وأعرب الحمد الله عن تقديراته بعدم الارتياح لطريقة التعامل مع قضية الدم التي تبعت قتل الأسير المحرر أيمن جرادات في بلدة السيلة الحارثية وصولا لمقتل شابين من العائلة ذاتها، وما تبع ذلك من حوادث مؤسفة دون ضبط فعلي للأوضاع، موجها رسائل واضحة بضرورة عدم استمرار هذه الأوضاع.