17.79°القدس
17.55°رام الله
16.64°الخليل
18.93°غزة
17.79° القدس
رام الله17.55°
الخليل16.64°
غزة18.93°
الإثنين 23 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

ظروف العمل

تقرير: رمضان قَلَب حياتهم.. "ينامون في النهار ويعملون في الليل"

رمضان قَلَب حياتهم..
رمضان قَلَب حياتهم..
نابلس - مراسلنا

يصلي "أحمد زيد" أربع ركعات من التراويح، وما أن يخرج من المسجد حتى يكون صاحب المصنع الذي يعمل به بانتظاره، وقد أقل معه عددا آخر من العمال.. ينقلهم إلى المصنع، ويعود في تمام الثامنة صباحا لنقلهم من جديد لمنازلهم.

فأحمد ( 24 عاما) يعمل في مصنع للمفروشات، وفي قسم "دهان الموبيليا" تحديدا، وقد اتفق وزملاءه مع صاحب العمل على أن يكون دوامهم خلال شهر رمضان في الليل بدلا من النهار.

يقول لـ"فلسطين الآن" إن عملهم مرهق جدا، حيث يضطرون للبقاء في غرفة معزولة يرشون ألواح الخشب بالدهان لساعات طويلة، خوفا من دخول الغبار والأتربة إليهم.. وهذا يستهلك طاقتهم بشكل كبير جدا"، ويضيف بلهجة محلية "ما بنخلص شغل إلا أحنا زي الشريطة، ما بنقدر نوقف، ونفسنا بكون رايح.. وأصلا خلال الشغل ورش البويا، بنضلنا نشرب مية ونأكل شغلات باردة حتى نقدر نشتغل".

ولأن أحمد ورفاقه يريدون صيام الشهر الفضيل وفي الوقت ذاته يعملون في مهنة مرهقة، اتفقوا على أن "يقلبوا نهارهم ليل وليلهم نهار".. وعن ذلك يشرح قائلا "نبدأ بعملنا ما بين 10-10:30 ليلا، حتى تقريبا الثالثة فجرا، حينها نأخذ استراحة لمدة ساعة، نصلي بقية التراويح والوتر، ومن ثم نتناول السحور بشكل جماعي، وبعدها صلاة الفجر.. نستريح قليلا ونعود للعمل حتى الثامنة صباحا، ويأتي المعلم وينقلنا لمنزلنا".

لكن السؤال، ماذا بشأن بقية العبادات والحياة الرمضانية الاجتماعية.. يجيب أحمد "في الغالب ننام حتى العصر، طبعا أستيقظ لصلاة الظهر وغالبا أذهب للمسجد القريب من بيتي.. قبل المغرب أذهب مع والدي للسوق، أو مع العائلة في ضيافة أقاربنا.. وبعدها مع الأصدقاء حتى العشاء، وبعدها يتكرر السيناريو".

صانع الحلويات

الحال تماما مع سائد، صاحب معملا لصناعة عجين الحلويات وتوريدها لمحلات بيع الحلويات. يقول لـ"فلسطين الآن": "لا يخفى على أحد الإقبال منقطع النظير في شراء الحلويات في رمضان.. وطبعا نحن نعد من الموردين الرئيسيين لعجينة الحلو للمحلات.. لذا فإنتاجنا يتضاعف مرات ومرات.. وهذا يحتاج جهدا كبيرا قد لا يقوى عليه الصائم، خاصة القريب عمله من "العجانات"، أو الفرن الكهربائي.. لذا فكرنا منذ عدة سنوات بحل لهذه المعضلة.. فكان لا بد من تغيير "شفتات" العمل، من النهار إلى الليل.. وهذا ما كان.

يتابع سائد "عندنا 15 عاملا، نبدأ في تمام العاشرة ليلا، ونستمر حتى السحور والفجر، وبعدها حتى التاسعة صباحا.. نطمئن أن الكميات المطلوبة من العجين التي قد تصل في اليوم الواحد لنحو 500 كيلو قد أنجزت، قبل توزيعها على "مطابخ محلات الحلو"، الذين بدورهم يقومون بفرزها، فهذه عجينة للفطير، وأخرى للكنافة وثالثة لخدود الست وهكذا".

وعن الأسباب التي دفعته لتغير نظام عمله، يقول:  "في إحدى السنوات اكتشفت أن بعض العمال لا يصومون، ويتناولون الماء في المصنع، فجن جنوني، وكدت أفصلهم.. ولكن عندما تحدثت إليهم اقتنعت بصعوبة العمل خلال نهار رمضان.. فنحن في مهنة تشبه الأشغال الشاقة، وطبعا لا يمكن لي منحهم إجازة، فهذا الموسم ننتظره على أحر من الجمر، فكان الحل بالدوام الليلي".

وعن تأثيراته عليه، يقول: "للأسف الأثر كبير.. فأنا ومعظم عمالي ننام طيلة النهار من شدة التعب والإرهاق، وننقطع بصورة شبه كلية عن الحياة الاجتماعية والعبادات.. اللهم في بعض الأيام أستيقظ عصرا، وأصلي وأقرأ ما تيسر من القرآن".       

واجتماعيا أكتفي بالغالب بتناول الفطور مع عائلتي، ونادرا ما أقبل العزومة من الأقارب، حتى لا نتأخر عن العمل، وأما السهرات الرمضانية مع الأصدقاء في المقاهي والمطاعم فأنا محروم منها".

في المقهى

أما أبو جمال الموظف في مقهى شعبي فهو الآخر ينام في النهار ويبقى يعمل حتى الفجر.

يقول "المقهى مغلق في النهار، ونبدأ بالتحضير نحو السادسة مساء.. نجهز المشروبات والماء الساخن للقهوة والشاي، ونجهز رؤوس النرجيلة ونضع فيها المعسل بأنواعه المختلفة.. وما إن يسدل الليل ستاره حتى يبدأ الزبائن بالقدوم إلينا".

يضيف "عملي شاق جدا، لكن الأجرة مقبول، فصاحب المقهى زاد من راتبنا بسبب ذلك، حيث أننا نبقى نستقبل الزبائن حتى الفجر.. الناس في رمضان لا تنام.. والشبان يأتون إلى هنا بعد العشاء تحديدا وتكون الذروة منتصف الليل فلا تكاد تجد طاولة شاغرة.. ولا نستطيع أن نلبي كل مطالبهم من المشروبات والحلويات والمعسل والنرجيلة وورق الشدة".

وعن تأثير ذلك يقول بلغة عامية "تعودنا".. ويتابع "أنا هنا منذ 20 عامًأ، وكل أشهر رمضان السابقة لا تختلف كثيرا عن الحالي، اللهم حالة الهدوء والاستقرار ما يعني مزيدا من السهر ومزيدا من الزبائن الذين يبقون في المقاهي والشوارع حتى السحور".

الموقف الشرعي

ويُعد شهر رمضان من أعظم الشهور عند الله تعالى، ويُحب الله عز وجل أن يتقرب العبد إليه بالطاعات، والعمل في الإسلام يُعتبر عبادةً، ويستطيع العبد أن يحصل على الأجر الكبير عند القيام به وإتقانه والإخلاص به لله تعالى. ولا يجوز أن يتحجّج العبد بالصيام من أجل التقاعس عن العمل، فعمل العبد يزيد من قوة المجتمع وتماسك الأمة وحمايتها من المخاطر، وأي تكاسلٍ من العبد في عمله يؤثّر على المجتمع ككل، بل إنّ الصيام يجدّد نشاط البدن ويعيد ترميمه لنفسه وتنظيفه من السموم. ولا يجوز كذلك أن يتحجّج العبد بالعمل من أجل إيجاد الفتوى الخاصة بالإفطار، فالأصل هو الصيام مهما كان العمل شاقاً، وعندما يصعب الصيام مع هذا العمل فالأَوْلى محاولة تأجيله إلى الليل، وإذا تعذَّر ذلك فيجب البحث عن عملٍ آخر، وإذا تعذَّر ذلك أيضاً فيمكن البقاء في العمل مع تبييت النية في الصيام، ولكن إذا لحق به الضرر في العمل فيجوز له أن يأكل بما يسدّ حاجته ثم يُمسك ويقضي ما أفطر.

قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق.

إذن، هذا هو قانون رمضان الذي يفرض نفسه على شرائح مجتمعية كثيرة، تحاول أن تتأقلم مع متطلباته.. لكن الخوف كل الخوف من تأثير هذه التغييرات على العبادات والطاعات التي لها أجر مضاعف في الشهر الفضيل، على حساب العمل والسهر، دون الاستمتاع بلذة خير الشهور على الله.