حبست الأنفاس داخل الصالة المصرية لمعبر رفح، وتعالت صيحات وبكاء النساء والأطفال، وعجت الصالة المصرية بالفوضى والخوف، أينما توجه ناظريك تجد ذعرا غير متوقع، فبعد أن كان المكان مصدر أمان للفلسطينيين، أصبح هاجس الذعر والخوف والقلق هو المصيطر على الكل الفلسطيني داخل الصالة المصرية.
"لم أكن أتوقع أن تصبح الصالة المصرية مصدرا للخوف والذعر للجميع، كنا إذا جن الليل علينا فضلنا النوم حتى الصباح داخل الصالة المصرية حتى نضمن سلامة وأمان أنفسنا وأهلونا، لكن ما حدث يوم 19/8/2015 جعلنا ندرك أن الأمان فقط بيد الله" بهذه العبارات روى الحاج أبو خالد ما جرى داخل الصالة المصرية يوم اختطاف الشباب الفلسطينيين الأربعة.
وتابع أبو خالد الذي رفض الكشف عن اسمه في حديثه لـ"فلسطين الآن": "خرج باص الترحيلات من أمامنا بشكل اعتيادي، فقام موظف السفارة الفلسطينية بتجميع المرحلين، ووضعهم في باص الترحيلات قرابة الساعة التاسعة مساء، مع العلم أن حظر التجول يبدأ في سيناء قرابة الساعة السادسة، وهو ما دفع الريبة تجول في أنفسنا من خلال تقييم الحدث بعد وقوعه".
وأضاف أبو خالد :"ما هي إلا بضع دقائق، حتى عاد باص الترحيلات، الناس مغمى عليهم، والصراخ يعلو المكان، الكل مذعور، انتشر موظفو الصالة المصرية بلباس النوم داخل الصالة، جمعوا الباص الذي تعرض للاختطاف، وسجلوا بعض البيانات، وما هي إلا لحظات حتى غادر الجميع الصالة، وبقي الجميع في صدمة مما حصل، ومع ساعات الضحى عاد العمل للصالة المصرية وكأن شيئا لم يكن".
وحيدا أضعف أمه
والدة الشاب المختطف عبد الدايم أبو لبدة من سكان المحافظة الوسطى، والتي لا تزال تعيش حالة من الانهيار والصدمة لما تعرض له نجلها، طالبت السلطات المصرية بالعمل الجاد والكشف عن مصير ابنها وباقي المختطفين معه.
وأكدت في حديثها لـ"فلسطين الآن"، أن ولدها الوحيد عبد الدايم دخل مصر بغرض العبور وليس المكوث، مشددة على أن نجلها اختطف على الأرض المصرية والرئيس المصري هو المسئول عنه.
من جانبه، طالب خال المختطف السلطة الفلسطينية ممثلة بمؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية والسفارة الفلسطينية في القاهرة، تحمل المسؤولية الكاملة عن اختطاف أبنائهم، والوقوف أمام مسئولياتها المتعلقة بملف أبنائهم المختطفين.
عذابات تزيد مع الوقت
حال عائلة أبو لبدة لم يختلف كثيراً عن حال عائلة المختطف ياسر زنون من سكان حي الجنينة شرق محافظة رفح، خاصة بعد مرور عام بلا أخبار عن أحوال المختطفين وهل هم فعلاً باقون على قيد الحياة.
وقال علاء زنون شقيق المختطف ياسر في حديث لـ"فلسطين الآن": "بعد مرور عام اليوم مثل أول يوم في ملف المختطفين، ونحن نعيش في المجهول ، ولا يوجد أي معلومات إلى الآن عن حالهم وأوضاعهم".
وتحدث زنون عن وضع عائلته بعد عام من الاختطاف :"وضع البيت مأساوي وصعب جدا، وكل يوم يزداد صعوبة، وحياتنا أصبحت كلها منغصة ولا نشعر بحلاوة الحياة مثل باقي الناس، الوالدة متعبة جدا نتيجة لما حدث مع ياسر، وكل فترة تذهب إلى المستشفى، وصارت الأمور عندها قريبة من اليأس".
وتابع: "محمود ومحمد أبناء ياسر الأطفال كل يوم يقولوا بدي بابا بدي بابا، أحاول إخراجهم من البيت والترفيه عنهم، عدا عن زوجته التي أصابه الضعف الشديد نتيجة التفكير، ونحن نطالب الجانب المصري بأن يفرج عن الأربعة المختطفين، ماذا فعلوا لمصر، وما هي الجريمة التي ارتكبوها بحق بلدهم الثاني؟".
عائلات تعيش على الأمل
الحزن وأمل الرجوع، لم يغب عن عائلة المختطف، حسين خميس الزبدة (29عامًا)، من سكان منطقة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، فالعائلة لا تزال تعيش آهات العذاب اليومي والذي يمر عليه عاماً كاملاً.
الحاج أبوسيف الدين الزبدة الشقيق الأكبر للمختطف "حسين"، بين أنه وبعد عام من الحزن على عملية اختطاف ابنهم حسين هو وإخوانه المختطفين، لا زالت عائلاتهم قلقة على مصيرهم المجهول.
ويضيف أبوسيف الدين، (64عامًا) في حديثه لـ"فلسطين الآن": " لم نحتفل بشهر رمضان ولا بعيد الفطر، ولا في ذكرى ميلاده ولا في يوم زواجه"، فقد ساد الحزن كل أجواء تلك المناسبات السعيدة، حتى بلغ الحزن بهم عاماً كاملاً دون أن يعرفوا معلومة، حتى ولو كانت صغيرة عن ابنهم المختطف.
ويُكمل: "لم تجف دموع أمه ولا زالت أنات أطفاله تُسمع، وغصة على الفراق لا زالت تعتمر قلب زوجته منذ أن اختفى قسراً من حافلة الترحيلات المصرية قبل عام بالتحديد أثناء سفرهم عبر معبر رفح الحدودي".
لا طعم للحياة
"منذ اللحظة التي خطف فيها أخي عبد الله، لم نذق للحياة طعماً، ولا يوجد وصف دقيق يمكن أن يعبّر عن حالنا، غابت البسمة" بهذه الكلمات عبر عبد الرحمن أبو الجبين شقيق المختطف عبد الله عن حاله وحال عائلته.
وأضاف: "الخاطفون لم يأخذوا عبد الله فقط، وإنما سلبوا عائلته طعم الحياة، حتى أصبح "البيت واقفًا على رجل" ، مبيّنًا: "وكأن بيتنا مهجور، أصبح مكانًا للمبيت فقط، فلا حيوية ولا روح فيه".
ويزيد قائلاً: "نحن أربعة إخوة وأخت واحدة، توفيت والدتنا عندما كان عبد الله في الرابعة من عمره، وكانت له (نكهةٌ خاصّة) في البيت، من يرى أختي الوحيدة يقرأ في عينيها تساؤلًا: لماذا أخذتم قطعة من قلبي؟".
ودعت عوائلهم، مؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية ذات العلاقة القيام بواجباتها تجاه حقوق الإنسان في حرية السفر والأمن والتغييب القسري، داعيةً في الوقت ذاته وسائل الإعلام بكافة أشكالها إعطاء مساحة أكبر لقضية المختطفين ونشرها على كل المستويات.
وكان مسلحون مجهولون في سيناء اختطفوا في 19 أغسطس الماضي أربعة شبان فلسطينيين أثناء سفرهم عبر معبر رفح البري، هم "ياسر زنون، وحسين الزبدة، وعبد الله أبو الجبين، وعبد الدايم أبو لبدة" ومازال مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة.