17.86°القدس
17.56°رام الله
17.21°الخليل
24.84°غزة
17.86° القدس
رام الله17.56°
الخليل17.21°
غزة24.84°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

الهجوم على الدين عبر الهجوم على التدين

ياسر الزعاترة
ياسر الزعاترة
ياسر الزعاترة

عند كل محطة تنطوي على صدمة ذات صلة بالإسلام أو الإسلاميين  بتعبير أدق، تنهض أصوات من هنا وهناك تهاجم التدين، فيما يستبطن بعضها مهاجمة الدين ذاته، أعني الإسلام هنا بطبيعة الحال.

والحال أن جرأة البعض على مهاجمة المظاهر الإسلامية قد أخذت تتصاعد تباعا، وهذا يرد بالطبع على “متحمسين” يعتقدون أن منطق الرد الثأري يأتي بنتيجة، سواء في ميدان المواقف السياسة أو في ميدان الأفكار.

لا حاجة بالطبع لكثير من الذكاء حتى ندرك الفارق بين من يدعون إلى إعادة تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة في سياق من تنقية الحالة الإسلامية من بعض المظاهر الشاذة، وبين من يستبطنون هجوما على كل حالة التدين، أكانوا يفعلون ذلك بسبب مواقف أيديولوجية وطائفية، أم يفعلون ذلك لاعتبارات سياسية؛ على قاعدة أن التدين هو الذي يمنح الحاضنة الشعبية لما يسمى الإسلام السياسي، الذي لا يختلف برأيهم عما يسمى “الإسلام الجهادي”، أو الحركات الجهادية.

من الصعب توجيه المواعظ للصنف الأول، فهم يستغلون الموقف لتصفية حسابات تراوح بين أيديولوجية وطائفية وحزبية، ولن يتوانوا عن استغلال أي حدث من أجل تصفية حساباتهم، لكن الكلام يمكن أن يُوجه لمن يفعلون ذلك مستندين إلى فهم مغلوط بشأن ظاهرة العنف المسلح من جهة، وللجهات الرسمية في الفضاء العربي من جهة أخرى.

لهؤلاء لا بد من التذكير بأن ظاهرة العنف هذه ليست نتاج الأفكار ولا المناهج، ولا حتى المساجد والكتب، فضلا عن أن تكون نتاج حلقات القرآن، أو نتاج ظاهرة التدين بشكل عام.

إنها نتاج ظروف موضوعية، أما الأفكار فهي تأتي لاحقا كحاجة لحركات العنف المسلح لكي تستقطب الناس من خلالها، لكن ذلك لا ينجح إذا لم تكن الظروف الموضوعية مواتية للنشوء والنمو، وقد حدث أن كان العنف يساريا، وخرج من رحم اليسار يسار أكثر تطرفا، كما حدث أن كان شيعيا، واستخدم السلاح والعمليات الانتحارية، وحدث أن أصبح سنيا أيضا، بألوان شتى (دعك هنا من عنف الحركات المسيحية واليهودية ومن أديان أخرى؛ أرضية وسماوية)، لكنه في كل الأحوال كان تعبيرا عن ظروف موضوعية، وهنا في المرحلة الأخيرة أخذ الطابع السلفي الجهادي، لكنه كان غير ذلك في مراحل أخرى، كما في مواجهة الإخوان للنظام السوري مطلع الثمانينات، وكما في مصر في حالة الجماعة الإسلامية والجهاد.

كل ذلك يعرفه أهل العلم، ولا يحتاج إلى كثير من الأدلة، لكن الأطراف المعنية بمحاربة الظاهرة الإسلامية لن تستمع إليه، وستواصل تحميل الظاهرة عموما، والنصوص والقرآن والسنّة والوهابية وابن تيمية وسيد قطب، وغير ذلك مسؤولية ما يجري.

أما السياق الرسمي فينبغي أن يكون واعيا، فالصحوة الإسلامية اليوم أكثر تجذرا من أي وقت مضى، وهي في معظم تجلياتها راشدة، والصدام معها يصبّ في صالح العنف ولا يحجّمه، والأصل هو التعامل معها بإيجابية، وليس بروحية العداء.

لقد رأينا كيف كانت ردة الفعل عنيفة حين حاولت بعض الأنظمة الصدام مع الظاهرة، وهو ما اضطرها إلى التراجع واختيار التحجيم التدريجي، لكن هذا لن يمر بسهولة أيضا، لأن التدين الراهن ليس سياسيا بالمفهوم التقليدي، بل هو تيار يتجذر في عمق المجتمع، ولا يقول عاقل بأن الرد على ظواهره السلبية يكون بالصدام معه على نحو يفاقم المعضلات ولا يحلها.