قبل سنوات اعتاد ما يزيد عن 10000 فلسطيني التوجه إلى نهر العوجا في محافظة أريحا شرق الضفة الغربية، نهر العوجا أو عين العوجا لا يهم فاليوم لم يعد هنالك قطرة ماء في أكبر عين فلسطينية.
وتغذي مياه نهر العوجا آلاف الدونمات من أراضي المزارعين الفلسطينين والتي كانت تساهم بشكل كبير في تغذية السوق الفلسطيني بالعديد من الخضار والفواكه، بالإضافة إلى توفير فرص عمل إما للعائلات التي سكنت قرية العوجا أو حتى الوافدين إليها من أجل الاستثمار بالزراعة لوفرة المياه هناك.
السير بالطريق التي كانت تؤدي إلى نهر العوجا اليوم فارغة من السياح الفلسطينيين، رحلتنا للبحث عن عين الماء كانت طويلة، شاقة، وجافة من أي قطرة ماء.
سرنا بنفس المجرى التي كانت تصل المياه فيه إلى الأراضي، لم يعد هنالك وجود لأي مياه بعد أن قام الاحتلال الإسرائيلي بسحب مياه نهر العوجا بمده أنابيت 8 آبار ارتوازية تسحب المياه من تحت الأرض لصالح 35 مستوطنة تحولت بفضل مياه العوجا إلى خزاناً غذائياً لوفرة المياه التي سحبت من الفلسطينيين.
لا يدري أحد متى بالضبط بدأ الاحتلال بسحب هذه المياه ولكنها قُدرت بـ15 عاما، ظهرت نتائج هذه السرقات هذا العام بعد أن جفت المياه تماماً.
فلسطينيون يقفون على أطلال العوجا
"بالعادة كنا نأتي بالوفود السياحية إلى هنا، كانت المشكلة الأولى التي تواجهنا أن نجد مكاناً لركن مركباتنا، ومن ثم تجاوز عدد لا يمكن إحصائه من الفلسطينيين الذين يأتون إلى هنا وعائلاتهم للسباحة، اليوم تدخل الى المنطقة بحذر فهي اشبه بمدينة الاشباح"، يقول الدليل السياحي خليل محمد.
ورافق خليل وفد من الأجانب ظننا أنه أتى بهم هنا أيضاً للسياحة، ليتضح لنا أنهم مجموعة من الدارسين من مركز العوجا البيئي لدراسة سبب اختفاء المياه بهذا الشكل من المنطقة.
ويقول خليل: "المشهد محزن، الشجر أصفر، ومجاري المياه العذبة التي كان السياح ينتشرون حولها لمئات الأمتار جافة وملئى بمتبقيات الأشجار الجافة وبعض مما ترك السياح قبل سنوات، المشهد هنا لمن يعرفه محزن وعجيب".
وعلى جانب إحدى الصخور وقف إبراهيم حمد والذي اعتاد منذ الطفولة أن يأتي إلى العوجة مع المدرسة كرحلة، اليوم كبر إبراهيم وأنجب أبناءً لن يروا هذه المنطقة كما كان يراها.
ويتابع حديثه بعد أن اعتلى إحدى الصخور: "كنا نقف على هذه الصخرة ونقفز داخل الماء التي كانت تعلونا ارتفاعا أي كانت تزيد عن 1.60 سنتمتر، وكنا نسير باتجاه الجبال إلى رأس أول العين سباحة، اليوم هذه المجرى بعرض 4 أمتار تقريبا وبعمق تقريباً2 متر جاف تماما".
ورافق ابراهيم صديقه قتيبة حمدان الذي أبى إلا أن يعود إلى ذكرياته في هذه المنطقة، خشينا من السير خلفه بالبداية ولكنه عرف المكان جيداً جداً، ويقول حمدان: " كنا نسير إلى منطقة ارتفع فيها قصب الشجر إلى مسافات عالية، اعتاد الناس أن يربطوا مجموعة من الأشجار ببعض ووضع طاولاتهم داخل مجرى الماء والجلوس، اليوم هذه القصبات جافة، وانكمشت هذه المساحات الخضراء بعد أن تيبست على بعضها البعض".
8 آبار ارتوازية لسحب المياه
وفي الماضي توزعت محطات سرقة المياه في أماكن مجهولة، اليوم ترى هذه المحطة واضحة جهاراً أمام أعين المارة، محركات يرتفع صوتها بشكل مستمر وعلى طوال العام، وأصوات المياه تندفع من الانابيب المرتبطة بها، وبجانب هذا البئر هنالك مخرج في حال انضغطت كمية المياه داخل الأنابيب فتندفع المياه على جانب المحرك حتى لا تؤثر على ميكانيكيته، وعلى سياج المحرك نشر الاحتلال لوحات تحذيرية باللغة العبرية لعدم الاقتراب.
تصل الأنابيب إلى المستوطنات التي اخضَرَت وأصبحت كنزاً يغذي أراضي المستوطنين التي اخضرت، بالمقابل هاجر المزارعين الفلسطينيين من المنطقة وتحولت المنطقة الى صفراء فقيرة.
دراسات وأبحاث
وبدأت الدراسات الفلسطينية في المكان لإثبات سبب جفاف هذه العين عن سطح الماء، فعلى الرغم من جفاف هذه المنطقة إلا أنها ما زالت تضخ المياه من تحت الأرض ولكن للأنابيب التي تصل إلى الاحتلال فقط.
"هذه أكبر عين في فلسطين، قدرته الانتاجية التاريخية من 1800 متر مكعب في الساعة إلى 2000متر مكعب، كل هذه المياه نقية وصالحة للشرب، الآبار هنا تعمل الكترونياً بحسب حاجة المستوطنات، ويظهر من المتبقيات في المنطقة أن المياه ما زالت موجودة ولكنها لا تلبث أن تَضخ من العين حتى يسحبها الاحتلال، أنابيب تسريب المياه في حال انضغطت الكمية داخل المحرك تفتح باستمرار وصوت المياه داخل الأنابيب الممدودة إلى مستوطناتهم لا ينقطع"، يقول الباحث الميادين في مركز نهر العوجا مهند صعايدة.
ويضيف صعايدة: "تأثير اختفاء المياه هنا وصل إلى تهجير عائلات بأكملها من المنطقة، كما أنه تسبب بتحويل المستثمر الفلسطيني بالزراعة إلى عمال في المستوطنات المحيطة هم وأبنائهم، فالحاجة المادية لأصحاب الأراضي الذين اعتمدوا بالسابق على مياه العين أجبرتهم على العمل في المستوطنات القريبة، ولكنهم يتلقون أجوراً بخسة فاضطروا أن يعملوا هم وأبنائهم، فالكارثة الاقتصادية التي تسبب بها اختفاء المياه كبيرة جداً، ويعتبر أهالي هذه المنطقة منكوبين اقتصادياً".
من جانبه، أكد محافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني أن الأغوار وتحديداً العوجا أصبحت بشكل عام أراضي متصحرة بسبب سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على مساحات شاسعة منها وتحويل أغلبها إلى مناطق للتدريب العسكري علاوة على شح الأمطار وتحويل مياه الينابيع والآبار الارتوازية للمستوطنات.
سحب مياه نهر العوجا ليست إلا وسيلة لإنعاش اقتصاد الاحتلال على حساب الفلسطينيين، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة، فبالنسبة للمياه مَنع أهالي قرية العوجا من حفر المزيد من الآبار وتعتمد القرية على سبعة آبار بالكاد تمتلئ بالماء لزراعة 3800 دونم تقريبا من أصل 30000 دونم صالحة للزراعة، فيما يسيطر الاحتلال على 20000 دونم من أصل 120000 دونم من مساحة قرية العوجا لاجراء تدريباته العسكرية عليها.