من معاناة اللجوء خارج الوطن السليب إلى معاناة اللجوء داخل الوطن المحروم، لتتواصل معاناة آلاف الفلسطينيين من حرمان في الخارج وحرمان بعد العودة، معاناة يتكبدها الذين لا يملكون هوية فلسطينية معترف بها؛ لتمكنهم من التمتع بحقوقهم في السفر والتنقل للدراسة أو الحج أو العمرة أو غيرها، ويطلق عليهم اسم "البِدُون" أي بدون هوية.
إقامة هؤلاء في الخارج على مدار سنوات طويلة، كانت أحد أهم الأسباب التي حرمتهم من امتلاك الهوية، حيث لم يتم تسجيلهم في السجلات المدنية منذ ولادتهم إلى أن دفعتهم الظروف للعودة إلى وطنهم، ليجدوا أنفسهم في غربة بعد غربتهم خارج وطنهم.
منحت الشؤون المدنية في قطاع غزة المئات منهم البطاقة الزرقاء كبطاقة تعريفية، تعطيهم الحصول على كافة حقوقهم، دون اعتراف بهذه البطاقة خارج القطاع وحرمانهم من امتلاك جوازات سفر، يحول الاحتلال بينهم وبين امتلاك هويات معترف بها، إضافة إلى توقف ملفهم بسبب الحالة السياسية.
حرموا حقوقهم
المواطن "صلاح البطنيجي" (77 عامًا) أحد هؤلاء الذين حرموا من امتلاك هوية فلسطينية بعد أن عاد إلى القطاع بعد انتهاء عقد عمله في دولة قطر حيث كان نازحًا إليها، منوهًا خلال حديثه لـ"فلسطين الآن" أنه عاد بناءً على أخبار تفيد بإمكانية إصدار هويات لهم معترف بها.
وأوضح أنهم نظموا اعتصامات للمطالبة بحقوقهم كان آخرها عام 1999، مشيرًا أنه "تمَّ تفعيل الملف وحل مشكلة نحو خمسة آلاف اسم، لم يكن منها اسمي أو أسماء أفراد عائلتي، الأمر الذي دعانا للمطالبة من جديد بحقوقنا دون جدوى، وحتى الآن لا أملك هوية".
وقال: "نحن محرومون من العلاج في الخارج بسبب عدم امتلاك هوية خصوصًا أن زوجتي مريضة، وكذلك محرومون من السفر لتأدية مناسك الحج أو العمرة"، معربًا عن اعتزازه بالهوية الزرقاء قائلًا: "إنها فلسطينية بامتياز، ونأمل تحرير بلادنا، ونتخلص من حالة الذل ومَنّ الاحتلال علينا بإصدار هوية".
لم يختلف حال المواطن طارق أبو طير عن المواطن البطنيجي , حيث ولد في دولة الجزائر بعد أن نزحت إليها عائلته عام 1967، وعاد إلى قطاع غزة عام 1994 بعد قدوم السلطة، ليجد نفسه بلا هوية يمارس فيها أبسط حقوقه.
ولفت إلى أن عائلته تقدمت بأوراقها الرسمية والثبوتية لوزارة الشؤون المدنية وتمَّ إصدار هويات لوالده وشقيقاته الأربعة، سوى أنه لم يستطع الحصول عليها إضافة إلى شقيقيه اللذين بقيا في الخارج، وقال :"والدي توفاه الله، ولم يتمكن إخوتي من رؤيته أو زيارته، والآن والدتي مريضة ولا يستطيعون زيارتها".
وتابع: "أما معاناتي كانت طويلة في ظل عدم تمكني من الحصول على هوية وجواز سفر"، مضيفًا "لم أتمكن من الإنجاب وأحتاج إلى عملية بسيطة خارج قطاع غزة".
ومن جانبه، بين الصحفي مثنى النجار-الذي لم يتمكن من الحصول على هوية-، أنه وعائلته جاؤوا من العراق التي كانوا نازحين فيها إلى القطاع عبر معبر بيت حانون "إيرز" من خلال تصريح زيارة، مشيرًا إلى أنه مدرج ضمن الممنوعين أمنيًا من الحصول على هوية.
ولفت أن الاحتلال الإسرائيلي يتحكم بمصير الآلاف من "البدون"، فيما تتنصل السلطة الفلسطينية من تفعيل قضيتهم والمطالبة بإصدار الهويات لمئات الأسر المحرومة من السفر والعلاج ولقاء ذويهم.
وقال النجار: "لا نريد أن تموت قضيتنا لأنها تتعلق بمصير الآلاف، ونطالب السلطة بضرورة حل قضية المرفوضين أمنيًا منهم، إلى جانب العائلات التي بقيت في الدول المجاورة بدون هويات"، مشيرًا إلى أن السلطة استطاعت لم شمل كثير من العائلات وأصدرت لهم هويات بعد موافقة الاحتلال خلال السنوات الماضية لكن الملف بقي عالقًا حتى اللحظة منذ ثمان سنوات.
وتابع "نحن غرباء في وطننا الذي نعيش فيه، ولا نملك سوى بطاقة التعريف التي تمَّ إصدارها في غزة لتيسير الأمور في المؤسسات".
ملف مُجَمّد
وبدوره أوضح مدير الإعلام في وزارة الشؤون المدنية محمد المقادمة في حكومة الوفاق، أن من دخلوا إلى قطاع غزة من خلال تصريح زيارة وبقوا فيها كمخالفين، وصل عددهم لأكثر من خمسة آلاف شخص، مشيرًا أن هناك اتفاق على حل ملفهم، لكنه جُمِّد بفعل التجمد في الحالة السياسية.
ونوّه أن أعدادًا كبيرة لا يمكن حصرها، دخلت على قطاع غزة كانت في الخارج لسنوات طويلة بعد عام 2007، يعتبرهم الاحتلال غير موجودين وأن دخولهم إلى القطاع غير قانوني.
وقال المقادمة: "هؤلاء منحوا بطاقات تعريف لتسيير أمورهم في غزة، لكن تلك البطاقات غير معترف بها من الاحتلال الإسرائيلي، والقضية سياسية بامتياز وبحاجة لأن يكون هناك اتفاق بين القوى الوطنية وأن تتبنى السلطة قضيتهم كونها إنسانية بشكل أساس".
وتابع "هناك فرق بين الخمسة آلاف الذين لديهم مخالفات، فهؤلاء سيتم حل مشاكلهم في مراحل متقدمة، وقضيتهم سياسية بامتياز، وما دون ذلك فقضيتهم مختلفة وتحتاج إلى رؤية مختلفة كون الاحتلال لا يتعاطى مطلقًا مع ملفهم وقضيتهم".