رغم دوران عجلة الرياضة الفلسطينية في الضفة المحتلة إلى الأمام، خاصة كرة القدم في حقبة الاحتراف الممتدة عبر السنوات القليلة الماضية إلا أن هناك انتكاسة حقيقية في أوضاع الفئات العمرية والفرق المساندة.
عالم الاحتراف دفع الأندية الفلسطينية إلى التركيز بشكل أساسي على استقطاب لاعبي التعزيز وإنفاق الأموال الطائلة ووضع الخطط قصيرة الأمد للوصول إلى منصات التتويج المحلية مع إهمال صارخ بالمواهب والقدرات المحلية غير المكلفة.
وكالة "فلسطين الآن" تسلط الضوء على أوضاع الفئات العمرية في ظل الاحتراف الفلسطيني، وتبعاته على أرض الواقع، وصناعة المواهب الشابة.
غموض وضبابية
المدرب الوطني ورئيس نادي إسلامي قلقيلية مؤيد شريم، أكد أن الغموض والضبابية تسيطر على مستقبل صناعة المواهب الشابة، نظرا لتركيز إدارات الأندية بالضفة على اللاعب الجاهز، الذي أرهق ميزانية الفرق بلا داعي.
وقال شريم في حديثه لـ"فلسطين الآن"، أن دوري المحترفين دون إسناد حقيقي من الفئات العمرية المختلفة، له نتائج عكسية وكارثية وهو الملاحظ حاليا من فرق تلهث وراء اللاعبين، وترفض الاستثمار في أبناء النادي، الذين يعتبرون الذخر الحقيقي للفريق.
وعلل سعي الإدارات لجلب تعزيزات بالجملة إلى قلة صبرها في الحصول على نتائج إيجابية على مستوى الدوري والكأس، خوفا من غضب الجماهير، وتعرضها للمحاسبة في حالة الفشل في الموسم الرياضي.
ولفت شريم إلى أن مجالس الإدارات يقع على عاتقها وضع رؤية واضحة وأهداف قابلة للتطبيق، وإن كانت بعيدة المنال من خلال خطط طويلة الأمد للارتقاء بتلك المواهب ودمجها بالفريق الأول، منوها إلى أن تعزيز وجود تلك المواهب يضيف روح الانتماء المفقود عند الفرق.
وطالب بضرورة إعطاء أولوية في مشاركة اللاعب المحلي، الذي تخرج من أروقة النادي في اللقاءات وبالتالي يصبح لدى الفرق مجموعة من الخيارات التي يمكن من خلالها الاعتماد مستقبلا على الكوادر المحلية، مبينا أن ذلك يساهم في تعزيز نهج التعامل بالأمر الواقع والخروج بأقل التكاليف مع تحقيق الهدف المنشود للمؤسسة الرياضية.
آليات تفتقر للمهنية
من جانبه، يرى المحلل الرياضي ناصر السلايمة، أن واقع الناشئين والموهوبين مؤسف لحد كبير في ظل الهجوم المجنون على التعاقد مع اللاعبين الجاهزين، مشيراً إلى أنه يشك في مدى جاهزية لاعب التعزيز الفنية في كثير من الأحيان.
وشدد السلايمة في حديثه لـ"فلسطين الآن"، على أن آلية دمج الناشئين مع الفريق المحترف يجب أن تتم بمنتهى المهنية والحرفية بحيث يخلق توازن بين الخبرات واللاعبين الشباب الصاعدين، تفاديا لوضعهم تحت ضغط أكبر من قدراتهم.
وأرجع أسباب الوضع الراهن بالدوري الفلسطيني وإهمالها باللاعب المحلي الناشئ إلى افتقار أغلب الأجهزة الفنية العاملة بفرق المحترفين للحرفية والمهنية وهو ما يدفعها إلى التركيز على بناء مجد شخصي لها دون مراعاة مستقبل الفرق التي يشرفون عليها.
وأشار السلايمة إلى أن إدارات الأندية اللامهنية تساهم بشكل أساسي في قتل المواهب حيث أن توجهاتهم وقتية وآنية لخدمة مصالحهم الخاصة، وتلميع أسمائهم ضاربين عرض الحائط بالرياضة ومستقبل الشباب وهم أول من يرحل حين الحصاد.
قوانين صارمة
أما المدرب الوطني والمحلل الرياضي فايز نصار، فأكد أن الأندية الفلسطينية ما دامت تبحث عن النتائج السريعة، فاعتقد أن اعتمادها على الناشئين ودمجهم في فرق الكبار سيبقى محدودا، والكثير من المواهب ستذهب طي النسيان.
وأبدى نصار دعمه لفكرة قيام الاتحاد بفرض نسب معينة من اللاعبين تحت 20 عاما في قائمة أي فريق محترف يريد المشاركة في الدوري المحلي، مشددا على أن الأمور يجب أن لا تترك لأهواء الإدارات كما هو الحال في السنوات السابقة.
ونوه في حديثه لـ"فلسطين الآن" إلى أن اتحاد الكرة مطالب بوضع ضوابط وقوانين تدعم في اتجاه اعتماد الفرق الفلسطينية على الفئات السنية والمواهب المحلية، وتوسيع دائرة بطولات المراحل السنية، والفرض على الفرق المختلفة المشاركة في بطولات الشباب والناشئين.
وتطرق نصار إلى ضرورة الاهتمام ببطولات الفئات العمرية والتوسع بها أفقيا وعموديا لخدمة دوري المحترفين في المستقبل، متمنياً أن تتخذ بطولة الناشئين مواليد 1999 في الضفة، التي تواصلت على مدار عام ولعبت الفرق خلالها ما يقرب من 24 مباراة نموذجا حقيقيا يبنى عليه.
واقع مر
بدوره أعرب مدرب الفئات العمرية بنادي شباب دورا شاهر حماد عن حزنه للحالة المزرية التي وصلت إلى المواهب والناشئين في ظل الاحتراف.
وقال حماد لـ"فلسطين الآن"، الأندية لاتزال تغرق في نوم عميق، حجم الانفاق على فرق الفئات السنية لا يتجاوز راتب شهري للاعب تعزيز واحد، متسائلا .. لماذا تدفع ملايين الشواكل على لاعبي التعزيز رغم أن ذلك لا يعود بأي إنجاز للفريق.
وأضاف أنه بدلا من تحولنا كإدارات للفرق إلى متسولين لجلب الأموال لهؤلاء المحترفين، لماذا لا يتم صرف جزء من هذه الأموال على تخريج مواهب تستطيع أن تلتحق بعد عدة سنوات بالفريق الأول؟.
ورأى حماد أن إدارات الفرق بدوري المحترفين هي السبب الرئيسي في كل ما يحصل وهي من سيودي بالرياضة الفلسطينية إلى الهاوية، لأنهم يرفضون الصبر وتخصيص موازنات لتفريخ اللاعبين الشبان، ويريدون إنجازات وليدة اللحظة، ليكتب عنهم أنه على زمانهم حققوا بطولة الدوري أو الكأس.
وتحدث حماد بألم وحرقة قائلا: "فرق شباب دورا للفئات السنية من أفضل الفرق على مستوى الضفة، وعندما وصلوا الفريق الأول تم اختيار اثنين والباقي تم تسريحهم لماذا؟".
وتابع: "إدارة دورا في السنوات الثلاثة الماضية لم تنفق أكثر من 1000 شيكل على كل بطولة يقرها الاتحاد الفلسطيني للفئات العمرية، وأصبحت مشاركة النادي الزامية، لأنه ضمن المحترفين ومن لم يشارك يغرم من الاتحاد، لذا أصبحت المشاركة لتفادي الغرامات ويقوموا بإبلاغي قبل البطولة بيوم واحد.. هل هكذا تتطور الرياضة؟".