كلاهما يعرفُ بالآخرِ.. "سوسن فقوعة"، نبتةٌ وقريةٌ التصقتا ببعضِهما.. فالسوسنُ زهرةٌ تنبُتُ في قريةِ فقوعة الجبليةِ إلى الشمالِ الشرقي من محافظةِ جنين..
تتميزُ بلونٍ بنفسجيٍ غامق، وبكبرِ حجمِ البتلاتِ الزهرية... حتى إن طولَ إحداها التي وجدت في فقوعة بلغَ نحوَ خمسةٍ وثمانينَ سنتيمتراً، وتعدُ بحسبِ الدارسين الأطولَ على الإطلاق.
و"سوسن فقوعة" واحدة من ثمانية أنواع من الفصيلة السوسنية الموجودة في فلسطين، وأكثرها جودة، تتفتحُ في آذار وأوائل نيسان.
ورغم أن موطنها في الأساس فقوعة وجلبون، إلا أنها تتواجد في أعداد قليلة في منطقة شبه الساحل بين جنين وحيفا وفي منطقة الجولان. ويبلغ ارتفاع السوسن الغامق -الذي يتواجد في السفوح الشرقية- 40 سم، والسوسن العادي يتراوح ارتفاعها بين 10-15 سم وتتواجد أزهارها باللون الأزرق، بالإضافة لسوسن نابلس وسوسن الناصرة.
حياة السوسن
وبرغم جمال زهرة سوسن فقوعة ذات اللون البنفسجي القاتم، إلا أنه لا توجد لها رائحة، إذ تبقى متفتحة مدة ثلاثة أسابيع ضمن مشهد جمالي لعدة زهور منها في تجمع واحد، وتجف أوراقها التي تشبه أوراق البصل في فصل الصيف، وتبقى جذورها (رايزوم) في الأرض، ثم تبدأ في النمو في نهاية الشتاء القادم، لتعاود النمو من جديد في رسمة جمالية تعيشها جبال فقوعة وجلبون المرتفعة والمطلة على منطقة بيسان وجنين شمالي فلسطين المحتلة.
ووفق خبراء البيئة الفلسطينيين، فإن زهرة سوسن فقوعة (تسمّى باللاتينية: Iris haynei) استوطنت في فلسطين منذ التاريخ القديم، وصنفت في ثلاثينيات القرن الماضي باسمها الحالي، وهي أحد أنواع السوسن الملكي، ضمن ثلاثة أقسام للسوسن تعيش في فلسطين، وهي: السوسن بعنق "السوسن الملكي"، والسوسن متفرع العنق، والسوسن بدون عنق.
وليس في السهل، وتشكل أزهارها موئلاً لمبيت أنواع محددة من النحل البري. وتعود تسمية قرية فقّوعة لأكثر من رأي، لكن الراجح هو لكثرة فقاقيع المياه فيها، وذلك نابع من كثرة الينابيع وعيون الماء الموجودة في أراضي القرية، فيما يعتقد البعض أن تسمية قرية جلبون المجاورة محرفة من كلمة "نجالبونا" السامية، بمعنى القوي والشجاع، أو تحريف لكلمة "جلبوع"، وهي الاسم القديم لجبال فقوعة.
النبتة الوطنية
يقول الباحث مفيد جلغوم إن "حجم وجمال أزهار "سوسن فقوعة" الساحر ولونها البنفسجي وشكلها اللافت، وكذلك أزهارها الكبيرة التي تشكل مبيتا لأنواع معينة من النحل البري، ولقدسيتها لدى بعض الديانات في فلسطين التي تزرعها فوق المقابر للتخفيف عن الموتى، جميعها كانت أسبابا في اختيارها كنبتة وطنية، بهدف الحفاظ على التراث الطبيعي والتركيز على التنوع الحيوي في فلسطين، الذي قلَّ نظيره في العالم، وتثبيتاً للحق الوطني والتجذر في الأرض، لما تعانيه من انتهاكات إسرائيلية ومحاولات تزييف وسرقة التراث الطبيعي والثقافي وتحويله لصالح شعب آخر".
وأوضح في حديثه لـ"فلسطين الآن" أن سبب اختيار "سوسن فقوعة" النبتة الوطنية، باعتبارها نبتة متوطنة في منطقة جلبون وفقوعة، وكونها مهددة بالانقراض، وتتناقص أعدادها بسبب التمدد العمراني، والجمع الجائر لها، وتتكاثر بشكل فردي أو مجموعات صغيرة لعدم نمو بذورها كبقية النباتات العادية.
ويؤكد جلغوم أن "النبتة ستعود بالنفع على قرية فقوعة، وبلدية مرج ابن عامر المتحدة التي تتبع لها القرية، وذلك عبر الترويج لاسم القرية، إذ من المقرر أن تصدر الحكومة بالتنسيق وإشراف سلطة البيئة الطوابع والميداليات والشعارات الوطنية التي تكرس هذه النبتة كعنصر من عناصر التراث الوطني الفلسطيني، وتنمية الوعي الوطني بأهمية حماية البيئة وقيم وعناصر التراث الطبيعي، وحماية عناصر التراث الطبيعي الوطني من السرقة والتزييف وإظهار الوجه الحضاري والمتميز للمجتمع الفلسطيني في حماية البيئة والطبيعة.
وعملت القرية من خلال الناشطين على زراعة بصيلات من نبتة السوسن في حدائق عامة داخلها، بهدف الحفاظ عليها، كما شيدت قاعة عامة فيها واسمتها بزهرة السوسن لإبراز مدى أهميتها.
رعاية خاصة
رئيس سلطة جودة البيئة المهندسة عدالة الأتيرة، زارت القرية وأكدت أهمية اختيار سوسن فقوعة كنبتة وطنية، على الصعيد الدولي عبر شهرة قرية فقوعة عالميا، بالإضافة لوضع فلسطين على لائحة الدول العالمية الداعية لحماية الطبيعة، كغيرها من الدول التي تتخذ أسماء وطنية تنتمي لطبيعتها وتنوعها الحيوي.
وأشارت إلى أن سلطات الاحتلال غيرت اسم نبتة "سوسن فقوعة" إلى "سوسن جلبوع"، إلا أن الفلسطينيين نجحوا بالمحافظة على الاسم الأصلي للنبتة، لافتة إلى استعداد المجلس القروي لتقديم كل ما يلزم وتحديدت تخصيص قطعة أرض كمستنبت للسوسن؛ بهدف الحفاظ على النبتة وحمايتها من الانقراض نتيجة التوسع العمراني واستصلاح الأراضي والرعي.
السياحة الداخلية
ويطمح أهالي قرية فقوعة بأن يساهم اختيار سوسنها كنبتة وطنية لفلسطين، بتشجيع السياحة الداخلية وقدوم السياح إليها، خاصة أنها تزهر في آذار وهو موسم الرحلات والتنزه.
وبالفعل، خلال هذه المدةِ تتحولُ فقوعة إلى مزارٍ للباحثينَ والمستكشفين.
واعتمدت الحكومة الفلسطينية "عصفور الشمس الفلسطيني" طائرا وطنيا لفلسطين العام الماضي، وشجرة الزيتون شجرة محمية وطنيا، ويوم الخامس من آذار يوما وطنيا للبيئة الفلسطينية.
وتحاولُ "إسرائيل" أن تنسبَ الكثيرَ من عناصرِ البيئةِ الفلسطينيةِ إليها، ومن ضمنِها "السوسن"، وتعاقبُ القوانينُ الإنسرائيليةُ كلَّ من يعتدي على هذهِ النبتة، وهو ما يثيرُ أهميةَ الحفاظِ عليها فلسطينياً وضرورةَ العملِ لحمايتِها من الانقراض.
وتتمثل نباتات فلسطين العضوية الطبيعية في 138 عائلة نباتية، منها 14 عائلة من السرخسيات و124 عائلة من النباتات الزهرية التي تضم 833 جنسا ينطوي تحتها حوالي 2700 نوع من النباتات الزهرية البرية والطبيعية.