تقريباً لم يتمكن أيُّ موظفٍ حكوميٍّ في وزارتي الصحةِ والمواصلاتِ بنابلس من اكتشافِ الفرقِ بين ورقتينِ صغيرتين. فهما نسختين أصلية ومزورة للوصل الخاصَ بفحصِ النظرِ للمقبلينَ على تعلمِ السياقة، وقيمتُه مائةُ شيكل.
فالوصل الذي تصدره وزارة الصحة يوضع في أعلى المعاملة الرسمية للحصول على رخصة سياقة، وهو يمهد لدخول الطالب لفحص النظر.
وهذا ما صعّب من مهمة كشف التزوير، إذ لا فرقَ كبيراً بينهما، فالأصلي في أعلاه عبارةُ "السلطةِ الفلسطينيةِ- وزارةِ الصحة -نابلس" باللغة الانجليزية، والثاني يخلو منها. (مرفق صورة).
مراسل "فلسطين الآن" تابع الملف، فقد تبينَ أن موظفَينِ بمديريةِ الصحةِ بنابلس- فرع بلاطة البلد-، كانا يضعان وصلا مزورا على معظم المعاملات، ويتقاضيان المبلغ المالي، ولا يضعانه في الصندوق التابع للوزارة، بل في جيبوهم.
لكن المشكلةَ تكمنُ في أن وزارتي المواصلاتِ والصحة أوقفَتا كلَّ المعاملاتِ المرفقةِ بالوصلِ المزور، سواءً للمتقدمينَ للفحصِ النظريِّ المعروفِ بـ"التؤوريا" أو العمليِّ" المعروفِ بـ"التست"، والأنكى أنهما يطالبان المواطنين بإعادة دفع الـ100 شيكل للحصول على الوصل الأصلي، وتتناسيان أن الموظفين سرقا الحكومة، فكيف يطلب من المواطن أن يتحمل المسئولية عن ذلك؟.
كشف التزوير
يقول مصدر مطلع في وزارة الصحة بنابلس لمراسل "فلسطين الآن" إن الحادثة اكتشفت صدفة قبل نحو شهر، عندما وقعت عين موظف على معاملة لأحد المتقدمين لنيل رخصة السياقة ولفت نظره الوصل في أعلى الورقة، فهو يخلو من عبارةُ "السلطةِ الفلسطينيةِ- وزارةِ الصحة -نابلس" باللغة الانجليزية، فأبلغ مدير الدائرة، وانتشرت المعلومة بين بقية الموظفين، وخرجت للإعلام.
يتابع "كانت مفاجأة مدوية وغير متوقعة، لم يكن هناك أي مؤشر على تلك الخطوة، فالموظف الرئيسي المتهم لم تظهر عليه من قبل أية علامات تتعلق بتلاعبه بالملفات الرسمية.. إضافة لعلاقاته الجيدة مع زملائه".
وبعد اكتشاف الأمر، اتصل مدير الصحة بجهاز الوقائي الذي حضر للمكان واعتقل المشتبه بهما، لتبدأ المعلومات ترد تباعا عن قضية قديمة وليست وليدة اللحظة فقط.
ففي أول اعتراف أدلى به المتهم الرئيسي، أشار إلى أنه استقدم آلة تشبه تماما تلك التي تطبع الوصل الأصلي، ووضعها في مكتبه بمساعدة شخص من خارج الوزارة، وبدأ يصدر الوصولات المزورة في بداية العام الجاري 2017، وقد اعترف على 60 وصلا فقط وقيمتهم 6000 آلاف شيكل.
لكن ما إن وصلت المعلومة لمدربي السياقة حتى ذهبوا فورا لمراجعة المعاملات الموجودة في مكاتبهم لتكون الصاعقة التي ضربت أركانهم، فقد تبين لهم أن عملية التزوير بدأت منتصف عام 2015، أي قبل عامين تقريبا. وهناك آلاف المعاملات المزورة.
وحتى الآن لم يكشفْ عن قيمةِ المبلغِ الذي جُمعَ نتيجَة هذهِ العملية، لكن المعلوماتِ التي حصلنا عليها تشيرُ إلى أنه يقدر بنحو نصف مليون شيكل.
تفاصيل الضحايا
وعودة للمصدر في وزارة الصحة، فكثير من أصحاب المعاملات المزورة اكملوا طريقهم وأدوا الامتحان النظري "التؤوريا"، وبعده الامتحان العملي وهو "التست"، ونجحوا وحصلوا على رخصة سياقة.
والجزء الثاني منهم، من أدى التؤوريا وبدأ بتلقي دروس السواقة، ولم يتقدم بعد للامتحان العملي، والجزء الأخير وهم الأحدث، الذين قدموا معاملاتهم منذ فترة وجيزة، وما زالوا في أول الطريق.
وتعيش وزارة المواصلات في دوامة، فهي غير قادرة بعد على اتخاذ القرار المناسب تجاه تلك الشرائح، يقول المصدر.
ويتابع "ما ذنب المواطن في كل الأحوال. فقد دفع قيمة الوصل البالغة 100 شيكل، وثبت أنه لائق صحيا، وبدأ مشواره في التعليم.. فالأصل أن يكمل طريقه ولا ذنب له بما جرى".
الدفع من جديد
لكن الكارثة أن الوزارتين حملوا المواطن المسئولية وأوقفوا كل المعاملات المزورة، وأجبروا أصحابها على دفع مبلغ 100 شيكل من جديد، وهو ما أثار غضب الطلبة وأصحاب مدارس السياقة.
يقول أمجد جمال من إحدى قرى نابلس إنه فوجئ باتصال من مدرسة السياقة قبل أسبوع تبلغه فيها بأن امتحان التؤوريا الخاص به قد تأجل بسبب أن الوصل المالي مزور.
يتابع "ذهبت لوزارة الصحة ففوجئت أن العشرات من زملائي هناك. وكلهم للسبب ذاته. ولم يكن أمام الغالبية منا إلا أن يدفع المبلغ من جديد حتى يعجل في الحصول على رخصة السياقة".
لكنه يستدرك قائلا "انا مقتدر ودفعت المبلغ من جديد، لكن هناك شبان في حال مالي صعب، فما ذنبي وذنبهم أن نتحمل خطيئة موظف لص وحرامي!!".
يشاركه الرأي محمد من نابلس الذي حاول أن يجادل موظف الصحة بالأمر، لكنه أصم أذنيه ورفض النقاش في القضية "لأن القرار من فوق"، كما قال له. فأضطر هو الاخر على دفع المبلغ من جديد.
على رأس المواطن!!
وعلق شاب أخر على القضية قائلا "موظف في وزارة الصحة في نابلس طلب مني 100 شيكل ثمن معاملة فحص النظر للتقدم لرخصة قيادة دراجة نارية، طبعا انا وصديقي دفعنا المبلغ وفحصنا نظر وختم لنا المعاملة واستلمنا وصل بالمبلغ وقدمنا تؤوريا ونجحنا.. وسجلنا للتست، قبلها بيوم رن علينا المدرب من مدرسة السواقة وبلغنا بأن المعاملة "مزورة".
يضيف "استفهمنا فيما بعد أن الموظف كان يستلم 100 شيكل ويضعها في جيبه، ويختم لك وصلا مزورا!!".
ويضيف "تفاجئت أمس أن وزارة الصحة طلبت من كل صاحب معاملة مزورة دفع 100 شيكل مرة أخرى، وكأن شيئا لم يكن!! هذه سرقة 100%.
ويختم "صدقا مش على 100 شيكل.. بس موظف على مكتبه في وزارة الصحة سرقني، مش لازم الصحة تتكفل بالموضوع؟!.. ولا دائما على رأس المواطن؟!.
مدير الصحة في نابلس فضل عدم التعليق على الأمر، رغم إقراره بعدم صوابيته "فلماذا يدفع المواطن المبلغ ولو كان شيكلا واحدا!!"، لكنه يتوقع -كما نقل بعض المقربين على لسانه- أن تعيد الحكومة المبلغ للمواطنين بعد انتهاء القضية.