في زمن ليس ببعيد، كان حلم كل فلسطيني في الضفة المحتلة، وقطاع غزة، والداخل المحتل، ومخيمات اللجوء والشتات، أن يشاهد منتخبه الوطني للعبة كرة القدم على أكبر وأعرق القنوات الرياضية العربية أسوة بباقي دول العالم.
المنتخب الذي لا يشبه أي من أقرانه، والذي يتبع لدولة ترزح تحت الاحتلال والقهر منذ عدة عقود يحقق الإنجاز التاريخي بالتتويج بكأس التحدي في نسخته الأخيرة ويضع قدمه على أعتاب المجد الآسيوي، فيشارك في كأس الأمم الآسيوية عام 2015 في أستراليا.
وخرج "الوطني" بأداء ونتائج غير مقبولة، ولكنها كان المرة الأولى، التي يخوض لاعبونا أقوى احتكاك لهم مع أفضل المنتخبات الآسيوية، فنحن وقعنا في مجموعة صعبة تضم اليابان، والأردن، والعراق.
قدوم بركات
عاد "الوطني" إلى قواعده مثخن الجراح، ومحمل بمرارة وألم غير مسبوق، وبمعدل أعمار كبير نسيبا، فماذا كان بعد ذلك؟ وأين وصلنا الآن؟
استنجد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بالناخب الوطني والمدرب الذي نجح لتوه مع المنتخب الأولمبي، وأوجد قاعدة صلبة جاهزة لتكون العمود الفقري للمنتخب الأول على مدار سنوات عدة، إنه عبد الناصر بركات صاحب (34 ربيعًا).
ولأول مرة في تاريخ كرة القدم الفلسطينية، "الوطني" يجابه أعتى الفرق العربية والآسيوية، حيث لم يعد ذلك الفريق، الذي يتلقى الأهداف بسهولة، وأضحى لاعبوه فدائيين يدافعون عن القضية ويحملون الهم الفلسطيني في المحافل الدولية، ووصل المنتخب إلى المركز 80 عالميا.
إلى أن جاءت النكسة، التي عاشتها فلسطين رياضيا، وهزت كيان كل المتابعين لمسيرة مدرب المنتخب الوطني بركات، الذين كانوا ينتظرون الفريق الذي أعده للمنافسة بكأس الأمم الآسيوية عام 2019 في الإمارات.
بين ليلة وضحاها
رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني جبريل الرجوب، وعلى هامش حضوره تزكية الجمعية العمومية للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي لتركي آل الشيخ ليكون رئيساً له، ظهر وهو يوقع اتفاقية مع آل الشيخ تتضمن قيام اتحاد آل الشيخ بتقديم دعم للرياضة الفلسطينية بمبلغ مليون دولار، والتكفل بتكاليف استقدام جهاز تدريبي أجنبي يقود المنتخب الوطني في الاستحقاقات المقبلة، وأبرزها البطولة الآسيوية.
وقال الرجوب حينها لوسائل إعلام سعودية، إن طاقما فنيا متكاملا سيعمل مع المدير الفني الجديد للمنتخب خوليو سيزار.
ولفت إلى أن السعودية، تقديرا منهم لحالة التطور الكبيرة التي طرأت على الكرة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، قدموا لنا جهازا فنيا عالميا بقيادة مدرب بوليفي.
وأكد رئيس اتحاد الكرة أن التعاقد مع المدرب البوليفي سيزار لا يقلل على الاطلاق من قيمة المدرب الوطني عبد الناصر بركات، الذي قاد المنتخب في الفترة السابقة.
وأضاف "بركات من الأصول الثابتة، واتحاد الكرة عمل خلال الأعوام الماضية على تطويره، وباقي زملائه، وبالتالي جميع المدربين الوطنيين هم محط احترام".
وتابع "سيزار، يملك سمعة طيبة للغاية في السعودية، وكان أحد نجوم النصر السعودي لسنوات، وكان لاعبا مميزاً للغاية، كما أنه أشرف على تدريب المنتخب البوليفي في تصفيات كأس العالم الحالية في روسيا في الفترة من: 2015-2016، لذلك عندما طُرح اسمه علينا، وبعد مراجعة السيرة الذاتية له تمت الموافقة على التعاقد معه".
سخط شعبي
هذه التصريحات لرئيس اتحاد الكرة وغيرها لم تقنع الشارع الرياضي الفلسطيني، الذي تابع القضية عن كثب من البداية وحتى النهاية، فكيف لهم أن يصدقوا أن مدربا من بوليفيا تلك الدولة التي تعتبر من أضعف دول أمريكا الجنوبية، أن تخرج مدربا عالميا بسمعة طيبة.
وتضامن الشارع الرياضي مع مدرب "الوطني" بركات، وكتب الشاب مؤيد طنينة على صفحة المدرب في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أنا كنت أفضل السكوت، كون الأشخاص الذين تحدثوا بهذا الصدد هم من الأكفاء، وخيرة الصحفيين والكتاب الرياضيين، الخبر الذي هز الشارع الرياضي الفلسطيني ألا وهو إقالة المدرب عبد الناصر بركات من تدريب "أفضل نسخة من المنتخب الفدائي" وتعيين مدرب من الشارع!.. وأقول نهايةً وبالبنط العريض .. يا نيال الفريق الي بدو يقودو هيك مدرب، ويا نيـال الإدارة إلي بدها أتجيب هيك مدرب، ويا نيـال الجماهيــر إلي بدها تشــوف هيك مدرب بقود فريقها وبس !".
بينما قال رئيس رابطة ميرنغي فلسطين خالد شومان: "أحد أغرب القرارات في كره القدم ما حدث مع هذا المدرب المجتهد الذي يعمل بصمت وفعالية ممنهجة ومدروسة أتت بثمارها على صعيد النتائج والاستقرار من خلال مسيرته عبر تدريب كافه الفئات على صعيد المنتخبات والأندية المحلية والاستفادة من خبراته كمستشار لبعض الأكاديميات والأندية واللاعبين حتى المدربين".
فيما نشرت الشابة عبير عليان رأيها بالقضية عبر صفحتها على "فيسبوك" فقالت: "للي ما بيعرف بهاي السنة تقدم منتخبنا أكثر من 50 مركز، وآخر تصنيف إلنا هو 80، يعني حدث وإنجاز كبير.. بهاي الحالة طبعاً المفروض نشكر ونكرّم مدربنا الرائع صاحب مسيرة 16 سنة بالتدريب اللي قدر يحتوي اللاعبين ويحقق إنجازات رائعة ومتتالية وجعل من منتخبنا مصدر للفرحة والفخر مع كل هاد وبدون سابق إنذار بتخلى الاتحاد الفلسطيني عن المدرب ويستبدله بمدرب بوليفي لا تاريخ له! طبعاَ كل هاد تخطيط السعودية "ع أساس يتم تقديم مساعدات للمنتخب"!! وببلشوا يتدخلوا بمصيرنا".
الوداع الأخير
المدير الفني عبد الناصر بركات، أدلى برأيه بعدما تكشفت الأمور عن طبيعة عمل المدرب الجديد سيزار وطاقمه، وتمنى أن يكون هو والطاقم الفني والإداري والطبي قد قدموا ما يملكون من أجل إدخال الفرحة على الشعب الفلسطيني.
وأضاف في منشور له عبر صفحته على "فيسبوك" : "كنت دائما أنظر لتدريب المنتخبات خلال 16 عاما على أنه مهمة وطنية خالصة، بعيدا عن أي اعتبارات ودائما اعتبر التضحياتـ التي قدمناها وهي واجب علينا لخدمة وطننا".
وشكر بركات رئيس الاتحاد وكل أعضاءه والعاملين به وكل من عمل معه، واللاعبين والشركة الداعمة "جوال"، مبديًا اعتزازه بمحبة الناس " التي شعرتها خلال مسيرتي التدريبية مع المنتخبات، وبعض الإعلام الحر والإعلاميين الأحرار، الذين ساندوا مسيرتنا من خلال منتخب وحد كل الشعب في كل الأماكن وﻻ عزاء لبعض الإعلام المتخاذل المنبطح".
وداع يحمل في طياته خيبة أمل كبيرة، وحرمان أفقد بركات فرصة كتابة سطور مضيئة في تاريخه التدريبي الناصع بالإنجازات والانتصارات، التي كان لها مفعول السحر للتخفيف من عذابات الشعب الفلسطيني المكلوم والمكبل بفعل الحواجز والجدران التي أوجدها الاحتلال الإسرائيلي على أرض الأحرار.