عادت أزمة القطاع الصحي تطفو على السطح من جديد، ولكن هذه المرة ليس بسبب نقص الأدوية -رغم أهميتها-؛ بل بسبب توقف المولدات الكهربائية عن العمل، بفعل الحصار الإسرائيلي الخانق الذي يعاني منه القطاع للعام الثاني عشر على التوالي.
ويقول المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة د. أشرف القدرة لـ "فلسطين الآن" إنّ "إجمالي عدد المستشفيات والمراكز الصحية التي توقفت بسبب نقص الوقود عن مولداتها هو ثلاثة مستشفيات بالإضافة إلى 16 مركز صحي، في حين يبقى العدد مرشحاً للزيادة خلال الأيام والساعات المقبلة مع عدم توفّر أيّ إمدادات جديدة".
ويشدّد القدرة على أنّ "القطاع الصحي أمام أزمة خانقة وغير مسبوقة مع قرب نفاد الكميات المتوفّرة من الوقود لدى وزارة الصحة في غزة، وعدم وجود أيّ أفق رسمي أو إغاثي أو دولي للتدخّل من أجل حلّ الأزمة وتوفير الوقود للمستشفيات والمراكز الصحية".
ويشير القدرة إلى أنّ "عدم التدخّل دفع القائمين على القطاع الصحي في غزة إلى العمل على اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة من أجل تشغيل المولدات الكهربائية الخاصة بالمستشفيات والمراكز الصحية خلال فترات انقطاع التيار الكهربائي"، مؤكداً أنّه من شأن ذلك أن "يربك العمل الصحي ويؤثّر بطريقة أو أخرى على صحة الفلسطينيين في القطاع، وسوف تكون تداعياته خطيرة".
المستشفيات تحتاج آلاف لترات الوقود
ويوضح القدرة أنّ "المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية التابعة لها تحتاج إلى أكثر من 450 ألف لتر من الوقود شهرياً، في حال طال انقطاع التيار الكهربائي أكثر من 12 ساعة يومياً، على أن يكلّف الأمر نحو ألفَي دولار أميركي لكلّ ساعة تغذية إضافية".
ويلفت إلى أنّ "المنظمات الدولية بما فيها منظمة الصحة العالمية تعي حجم الكارثة التي يعيشها القطاع الصحي، وهي على تواصل مستمر (مع المعنيين) من أجل إنقاذ الوضع الصحي المأزوم". يضيف القدرة أنّ "التصريحات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية أكدت أنّ الكمية المتوفرة من الوقود وفي ضوء الإجراءات الأخيرة المتخذة، سوف تكفي المستشفيات حتى منتصف فبراير/ شباط، ومن الممكن أن تستمر إلى منتصف مارس/آذار".
وهذا ما أكده رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا د. منذر رجب، مناشداً صناع القرار في العواصم الأوروبية وطالبهم بضرورة إجراء تحرك عاجل لمنع وقوع كارثة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة نتيجة العجز الذي يواجهه القطاع الطبي، وذلك من خلال ممارسة الضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي للسماح بإدخال الوقود والمواد الطبية والأدوية للمستشفيات، وفتح المجال أمام حركة مرور المرضى الممنوعين من السفر لتلقي العلاج خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل على رفع الحصار المفروض على سكان القطاع.
من جانبه، أكد نائب رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا ورئيس فرع التجمع في بريطانيا د. رياض مشارقة في تصريحات صحفية له خروج عدد من المراكز الطبية والمستشفيات في قطاع غزة عن الخدمة خلال الأيام والأسابيع الماضية، وذلك نتيجة الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي ونفاد مخزونها من الأدوية والعلاجات.
كما حذر مشارقة خلال استعراضه للأضرار التي لحقت بالقطاع الطبي من وقوع كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة بفعل استمرار الأزمة الحالية، ووجه مشارقة نداءاً عاجلاً إلى المنظمات الدولية دعا فيها إلى ضرورة التحرك من أجل إنقاذ حياة الآلاف من مرضى قطاع غزة، وإيصال المساعدات الطبية والأدوية إلى مستشفيات القطاع.
الأطفال في خطر
من جهته، أكد مدير عام الشؤون الإدارية في وزارة الصحة في غزة، محمود حماد، أن وقود مولدات مستشفى النصر للأطفال تكفي لمدة أسبوع، مشيراً إلى أن المستشفى يعتبر من المستشفيات الأساسية، وأنه سيتم بذل كل الجهود لضخ كميات إضافية ومنع توقفه.
وأشار إلى أن مستشفى النصر يستهلك 900 لتر يومياً في ظل انقطاع التيار الكهربائي لمدة 18 ساعة يومياً، مؤكداً أن وزارة الصحة تناشد الجميع العمل على إنقاذ الوضع، ومنع بلوغ الأزمة ذروتها بتوقف المستشفيات الأساسية في القطاع. مشيراً إلى أنه تم إعداد خطة تقشفية داخل المستشفى لتقنين استخدام الوقود، مما أثر بشكل سلبي كبير على الخدمات الطبية ووضع الأطفال المرضى خاصة حديثي الولادة.
وعقد القطاع الصحي في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية اجتماعاً طارئاً مع مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في قطاع غزة، محمود ضاهر، لبحث الأوضاع المتدهورة التي يمر بها القطاع الصحي في القطاع. حيث تمت مناقشة التداعيات الخطيرة للأزمة جراء نقص الوقود ونفاد أصناف أساسية من الأدوية وكذلك شركات النظافة وغيرها.
وحذرت المنظمات الأهلية الأعضاء في القطاع الصحي، من التأثيرات الخطيرة لاستمرار هذه الأزمة على حياة المرضى وقدرة المؤسسات الصحية على التعاطي مع الاحتياجات المتزايدة، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي وضعف التمويل، كذلك تقليص الإدارة الأميركية تمويلها للأونروا. مطالبةً بتحييد القطاع الصحي وحقوق المرضى في تلقي العلاج بعيداً عن التجاذبات السياسية، مشددين على ضرورة قيام حكومة التوافق، وبخاصة وزير الصحة، بمسؤولياته تجاه ضمان تمتع المواطن في غزة بالحق في الصحة.
وتحذر منظمات إنسانية ودولية من تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، فيما تشهد الساحة الإسرائيلية جدلاً واسعاً بشأن الوضع في القطاع وإمكانية تأثير ذلك على الوضع الأمني وانحداره إلى مواجهة عسكرية.
خارطة طريق لانتشال غزة
وطرح النائب في المجلس التشريعي جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، خارطة طريق لانتشال قطاع غزة من أوضاعه الكارثية، تعتمد بالأساس على إنهاء الحصار بشكل كامل، من خلال رفع الحصار كلياً، ورفع القيود عن حركة البضائع من غزة وإليها، وإنجاز المصالحة الفلسطينية بشكل كامل بناء على شراكة سياسية.
وقال في تصريح صحافي له، يجب العمل على تمكين المواطنين في غزة من التحرك إلى الضفة الغربية المحتلة، من خلال فتح دائم للممر الآمن، وتيسير حركة المسافرين من القطاع وإليه، ورفع الطوق البحري، واستثمار آبار الغاز في بحر غزة، وبناء ميناء غزة البحري، وتشغيل ممر بحري بشكل عاجل، إلى جانب الشروع في إعادة بناء مطار غزة تمهيدا لإعادة تشغيله.
ودعا الخضري، المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية فوراً، وتقديم الدعم الكامل لتلافي كل هذه الأزمات الكارثية، وممارسة ضغوط حقيقية على الاحتلال لإنهاء الحصار غير القانوني وغير الأخلاقي وغير الإنساني.
وضع غزة في أرقام
- بلغت نسبة البطالة أكثر من 56 % غالبيتها العظمى في صفوف الخريجين.
- نسبة من تجاوز وضعهم خط الفقر أكثر من 82 % ويعتمدون على المساعدات الدولية.
- باتت المنظمات الدولية والأممية تصنف متوسطي الدخل من أفقر الفقراء.
- أكثر من 230 صنفاً من الأدوية نفدت من مخازن وزارة الصحة.
- 40 % من الأطفال يعانون من فقر دم وسوء تغذية.
- أكثر من 13 ألف مواطن مصابون بالسرطان وبحاجة ماسة للعلاج في ظل إغلاق المعابر.
- 19 مريضاً توفوا في 2017 نتيجة حرمانهم من تلقي تصاريح طبية للعلاج.
- الكهرباء تصل للسكان من 3 إلى 4 ساعات مقابل 16 إلى 20 فصلاً.
- أكثر من 252 مصنعاً دمر وتضرر جراء الحروب الإسرائيلية المتكررة مما ضاعف من البطالة والفقر.
- أكثر من 120 ألف طالب يتخرجون سنوياً من جامعات غزة وكلياتها لا يجدون عملاً.