يبدو أنه لم يكن يدور في ذهن الرجل الذي أنقذ شركة نيسان لصناعة السيارات من الانهيار، كارلوس غصن، أن انهياره سيأتي من خلال منزله الوردي في أحد أرقى أحياء العاصمة اللبنانية بيروت.
فقد كان غصن وأسرته يقيمون في ذلك المنزل الفخم الذي اشترته وجددته شركة نيسان بمبلغ يوازي 15 مليون دولار.
وأشرف غصن وزوجته الثانية على شراء المنزل وتنفيذ أعمال التجديد فيه كما يقول المقربون من غصن.
وفي وقت سابق من العام الجاري، اكتشف فريق من المدراء التنفيذيين في شركة نيسان، كانوا يعملون من دون علم غصن، أن منزل الأخير في بيروت وغيره من الأملاك دفعت قيمتها شركة نيسان باستخدام شبكة من الشركات الوهمية.
وأثار الاكتشاف الذي توصلت إليه نيسان "غيمة إحباط وشعور بعدم الراحة" كانت تتراكم منذ سنوات في "فضاء" غصن، بحسب ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
هذه الرواية، التي جاءت بناء على مقابلة العشرات من المتقاعدين من شركة نيسان وأشخاص على صلة بالتحقيقات، تبين أن الاتهامات بوجود دفعات خفية والإنفاق الباذخ على حساب الشركة كانت تتشابك مع شعور عميق بالسخط بشأن هيمنة غصن الطويلة على الشركة.
وكان موظفو نيسان صرحوا بأن أرباح نيسان كانت تدعم شركة رينو الفرنسية وترفع من شأنها، فيما كان كثيرون يخشون من أن غصن كان يستعد لكي تستحوذ رينو على شريكها الياباني الأكبر.
ويبدو أن هذه المخاوف دفعت شركة نيسان إلى التحقيق سرا بشأن غصن، ووضعوا أسس توجيه ضربة لأكبر مساعديه، غريغ كيلي، في التاسع عشر من نوفمبر.
وأقنعت المجموعة كيلي، الذي يقيم في الولايات المتحدة، بالتوجه إلى اليابان في اليوم نفسه الذي يتوقع فيه حضور غصن.
وسمحت المناورة للادعاء الياباني باعتقالهما بسهولة، ثم القيام بمداهمة المكاتب وشقته في طوكيو في غضون ساعات قليلة.
ويبدو أن كارلوس غصن كان يكتسب تدريجيا عداء الموظفين في الشركة، بحيث أنه عندما أعلن المدير التنفيذي للشركة، هيروتو سايكاوا، عن اعتقاله وتفاصيل ما حدث، هلل الموظفون ورحبوا بالحدث وضجت القاعة بالتصفيق الحاد.
في العاشر من ديسمبر، وجه الادعاء الياباني التهم إلى غصن، بينما طالبت رينو شريكتها اليابانية بالدعوة لاجتماع حملة الأسهم للتعامل مع "مخاطر حقيقية" بشأن التحالف بينهما.
وفي الأثناء يواصل غصن الدفع بالبراءة، لكنه مازال قيد الاحتجاز، وبموجب القوانين اليابانية، فإنه قد يظل قيد الاحتجاز في عام 2019 بانتظار المحاكمة.
وتتمحور الاتهامات ضد غصن بشأن نفقاته أو استغلاله أملاك شركة نيسان، بينما أصبح منزل الشركة في بيروت والمنزل الآخر في ريو دي جانيرو موضع معركة قانونية، بعد أن سيطرت عليهما الشركة.
وتجادل أسرة غصن بأن اعتقاله والمزاعم الموجهة ضده باستغلال موارد الشركة لأسباب شخصية هي جزء من معركة سيطرة واسعة، وفقا لما ذكره محامي العائلة في الدعوى القضائية المرفوعة أمام محكمة برازيلية.
وقال المحامي "الحقيقة أن اعتقاله جاء نتيجة نزاع مؤسسي بين شركة رينو من جهة وشركتي نيسان وميتسوبيشي من جهة أخرى"، مضيفا "أن الاعتقال المفاجئ لكارلوس غصن جزء من استراتيجة تقودها نيسان لتقويض التحالف مع شركة رينو".
من جهتهم، يعتقد أبناء كارلوس غصن أن ما فعله والدهم من أجل نيسان والثروات التي حقق للآخرين في الشركة طوال العقدين الماضيين يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
ويقول أبناء غصن الأربعة إن نيسان كانت بمثابة "الابن الخامس" لأبيهم، وأنهم اعتادوا أن يتصل بهم كل أحد، وأوضحوا أنهم لم يسمعوا منه شيئا منذ أربعة أسابيع.
وكان غصن نجح في تحويل نيسان المتهالكة إلى شركة عملاقة لصناعة السيارات بتشكيل تحالف كبير شمل رينو، ثم أضاف إليه شركة ميتسوبيشي، ووضعه هذا الأمر في موقع ومركز يحصل من خلاله على راتب وصل عام 2017 إلى 17 مليون دولار.
أما الطائرات الخاصة والأملاك الأخرى فهي جزء من عمل غصن نفسه الذي يقضي ما يقرب من 100 يوم متنقلا في الجو بحسب سجلات الرحلات الجوية.
أما أكثر الأصول التي كانت تحت تصرف غصن فهي الطائرات الخاصة التي اشترتها نيسان على مدى 18 سنة، وآخرها طائرة "غلف ستريم 659" بتكلفة وصلت إلى 64.5 مليون دولار.
وفي العام 2018، حطت الطائرة في 35 مطارا مختلفا خلال 80 يوما من السفر جوا، طاف خلالها بالعديد من دول العالم.
وفي الأسابيع السبعة الأخيرة قبل اعتقاله، غادرت الطائرة مطار بيروت 8 مرات، بحسب سجلات الطائرة.
وأثار نمط معيشته غضبا داخل نيسان وشعورا بالخيانة، بحسب مصادر داخل الشركة.
وقال المدير التنفيذي السابق للشركة إن "الشفافية هي طريقة نيسان في العمل".
وقبل انضمام غصن إلى رينو عام 1996 كان يعمل لصالح شركة مشلان للإطارات، وفي أواخر تسعينيات القرن العشرين، عندما كانت نيسان على وشك الانهيار، تقدمت رينو لإنقاذها وقدمت تمويلا بقيمة 5.4 مليار دولار، وحصلت بموجبه الشركة الفرنسية على حصة 37 في المئة من نيسان، ثم رفعتها إلى 43.4 في المئة، في حين اشترت نيسان 15 في المئة من أسهم رينو.
وعندما انتقل إلى طوكيو، كان يطلق عليه لقب "7-11" وذلك لطول ساعات العمل خلال أيام الأسبوع.
وبعد أن أنقذ الشركة من الإفلاس، اختير في اليابان باعتباره "الإداري العبقري".
وفي العام 2005 أضيف إليه لقب المدير التنفيذي لرينو، الأمر الذي دفع نيسان لأن تشتري شقة في باريس بقيمة 4.1 مليون دولار لاستخدامه.
وفي العام 2009، دفعت نيسان راتبا لغصن بلغ إجماليه 15 مليون دولار.
وفي العام 2012، ساعدت شقيقة كارلوس، كلودين بشارة في التفاوض على شراء شقة في ريو دي جانيرو بقيمة 5.7 مليون دولار، وأصبحت من ممتلكات الشركة.
ويقضي فيها غصن بعض الوقت للعمل، لكنها تستخدم أيضا من قبل عائلته في الإقامة خلال العطلات والتجمعات العائلية، كما هو الحال مع شقته في بيروت.
وحاليا، مازال غصن، ومنذ شهر كامل تقريبا، يقبع قيد الاحتجاز، بينما تمكنت بناته من دخول المنزل في بيروت بموجب حكم قضائي، وسحبن من المنزل كل ما اشترته العائلة بأموالها الشخصية.
لكن العائلة لم تتمكن من تحقيق نصرا قضائيا مماثلا في البرازيل.، لكن واحدة من بناته دخلت المنزل برفقة ضابط شرطة بأمر من المحكمة لفتح خزنتين، كان في الأولى 20 ألف دولار، والثانية كانت فارغة.