ثمة أشياء لا معنى لها يفعلُها الناسُ في نهايةِ كل عام، يحتفلون بولادة سنةٍ جديدة.. يمارسون طقوساً لا معنى لها، يُطلقون ألعاباً نارية، لو وُزع ثمنُها على بعض الفقراء لأغنتهم، أفعالٌ مبتذلةٌ يهتم بها الكثيرُ في وداع العام المنتهي من أعمارهم، يودعون عامهم بأشياءٍ من التخاريف، رغم أنه قد لا يكون عاماً جيداً بالنسبة لهم.
لو فكرنا قليلاً وبعمقٍ أكثر في النهاية والبداية للأعوام التي نعيشها، لو أعدنا شريط ذلك العام في الذاكرة، وذاكرنا أحداثه التي مرت بنا سراعاً، أفراحه وأحزانه، نجاحاته وإخفاقاته، كم من الدموع ذرفنا! وكم من الابتسامات امتشقتها وجوهُنا في وجه الأيام ! هو نفسه العام الذي استقبلناه سابقاـ بتلك الطقوس المجنونة، هو نفسه العام الذي دفعنا له رشوة من الاحتفالات علّه يكون بنا وديعاً، حانياً، جميلاً، ولكن السنين لا تعبأُ بالرشوة، ولا تأخذها رأفة بمن كان قدره مؤلماً، الكلمة الأخيرة للقدر، وله فصل القول .
لو عملنا إعادة تدوير لأحداث العام السابق قبل أن نَلِجَ غيره، لنخرج بالفائدة مما مرّ بنا، لنعيد صياغة قناعاتنا وسلوكياتنا، لو نقف مع أنفسنا قليلاً أو ربما كثيراً يكن أفضل، نلومها على الإخفاقات، ونبحث عن أسباب النجاح، نتعرف على مواقع هفواتنا، كي لا نقع فيها في العام الجديد، وكي نكون منطقيين أكثر، يجب علينا الثناء على ذواتنا عندما تمر بالشريط نجاحاتنا، بل من الأفضل مكافأة النفس على كل نجاح نحققه، فهو الأجدر بنا فعله، لأنه لولا عزيمة النفس لما تحقق لنا نجاح، الإرادة.. العزيمة.. الثقة.. المثابرة.. كل هذه المزايا عندما تكن سمة النفس فإنها تتجه نحو السمو، لذا هي تستحق المكافأة، والثناء.
كما يجب أن نعيد التفكير في علاقاتنا بالأشخاص، فكم من خيبة أُصبنا بها جرّاء منْحِ قلوبنا لأشخاصٍ اكتشفنا بعد ذلك أنهم لا يستحقون، وكم من صدمة تلقيناها بينما نولّى ثقتنا لمن ليسوا لها أهلاً، يجب أن نكون على درايةٍ بالعلاقات الانسانية، فما كل ابتسامة تحمل خلفها قلبٍ صافٍ، وما كل كلمة طيبة تخفي إنساناً جميلَ القلب، يجب علينا أن نعلم أن بعض الجمال يستتر خلفه قباحةً، كما بعض الهدوء يُخفي عاصفة هوجاء، الوعي والحذر متلازمتان يجب أن لا نتخلى عنهما بينما نحن نبني كَمْ من العلاقات مع الناس حولنا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا يفسد الحذر تلك العلاقات.
لا تعط قلبك لمن لا يستحقه، هذا ما عليك تعلمه، وامنح نفسك فرصا كثيرة للنجاح، فالفشل في بعض المرات لا يعني انقطاع النجاح، على كل امريءٍ أن يدرك أن توالي السنون بنا يزيدنا خبرة في الحياة، يزيد من عدد الدروس التي يجب أن نستفيد منها، الأخطاء التي يجب أن نتلافاها فيما بعد، علينا ترتيب حياتنا كما نرتب الكتب على رفوف المكتبة، فعلى رفوف الأيام تقبع الأحداث التي تمر بنا، تعلمُنا كما نتعلم من الكتب، بل أكثر.
وفي الآخر، بل يجب أن يكون أولاً، علينا أن نراجع علاقتنا مع الله، خالق السنين، ربُ القدر ورب الأيام، كل عام يمر بنا دون أن نحاسب أنفسنا على ما قصرنا، وكل عام نستقبله ولمّا نضع لأنفسنا خططاً للنجاح، هو عام أبتر، مع العلم أن الخطط يجب أن تضع أعينها على الدنيا والآخرة، وإلا سيكون نصيبها الفشل.
أخيرا يجب علينا إنعاش الإنسانية التي تلفظ أنفاسها، في كل عام تقترب من الموت أكثر.
كل عام والإنسانية بخير
كل عام والتخاريف في اضمحلال
كل عام ووطني يقترب من الحرية أكثر...
