19.44°القدس
19.2°رام الله
18.3°الخليل
24.96°غزة
19.44° القدس
رام الله19.2°
الخليل18.3°
غزة24.96°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

هكذا ابتدأت السنة الجديدة

533 (3)
533 (3)
وكالات - فلسطين الآن

لقد مرت أعوام من عمرنا بنفس الوتيرة، وفي كل عام تتغير مجموعة من الأمور، تذهب أشياء، وتأتي أخرى، وبعد كل عام نعيد ترتيب حكاياتنا، ونستجمع قوانا، علنا نعيد ترميم ما ضاع منا، نتأمل الماضي القريب، نضعه على المحك، لكي نستكشف مكامن الخلل ومكامن القوة فيه، هكذا نواصل المشوار، حتى نكفر عن أخطائنا، ونتجنب السقوط فيها مجددا، نهرب من الحكايات التي فقدت معناها من قواميسنا، نبحث عن ذواتنا أكثر بنفس القدر الذي نهرب من الآخرين، وعند كل اقتراب من الذات، نتحرر من الحاجة إلى الآخرين، لندرك أننا أقوى من أن نتكل على كل من لا يعني لنا شيئا، هكذا نقوي قوتنا، ونتعلم الصمود لوحدنا في وحدتنا، نعلم أنفسنا أن القوة تنبعث من دواخلنا، وليس من الخارج، والأصل في ذلك أن ندرك الطريق لإخراج هذه القوة إلى الوجود، من أجل أن نستغلها أحسن استغلال، ومن أجل أن نجد الطريق الممكن الذي يمكن أن يسعفنا في أن نستمر في الحكاية.

هكذا تذهب أعوام وتأتي أخرى، وفي كل عام نحاول أن نستمر في التفاؤل، وأن نمتهن الأمل، فنتفاءل بأن القادم سيكون أجمل، ونأمل أن نحقق ما لم نستطيع أن نحققه فيما مضى، وبنفس الوتيرة تستمر حكايتنا دون تغيير، لأننا لم نجتهد من أجل أن نحقق ما نسعى إليه، لأن ذلك الأمل والتفاؤل لا يكفي لكي نصل إلى غايتنا، تلك الأشياء مهمة على المستوى النفسي، لكن واقعيا ليس ذلك سوى وهم يمنعنا من الاجتهاد مباشرة بعد أن نقرر ما نريد، فنحن ملزمون ببذل مجهوداتنا من أجل الحصول والوصول إلى طموحاتنا، وليس أن ننتظر أن يسعفنا الأمل في ذلك، لابد من التركيز على الفعل أكثر من القول، ولابد من الاختيار الصائب، ولابد من الإرادة القوية، ولابد من المثابرة وعدم الاستسلام، لابد من أن يكون المرء جادا ومنضبطا عندما يقرر أن يختار ما سيفعل، وإلا سيقف متفرجا، وسيذهب عام ويأتي آخر دون تغيير يذكر.

مع نهاية كل عام ننتظر أن يدخل العام الجديد بجديد، لكن شيئا من ذلك لن يحصل، لأن الجديد نحن من يقرره، ونحن من يجده، ونحن من يصنعه، أما أن نقف منتظرين أن تحل صفحة جديدة من حياتنا دون أن نعد القلم لكتابة قادم جديد، نعبر فيه عن تشبتنا بالحياة، وأن نرسم فيه كل ما يمكن أن يعيدنا إلى ذواتنا، ليخرجنا من دوامتنا التي تنطفي في كل مرة نبتعد فيها عن أنفسنا في مقابل البحث عن الآخرين الذين يملئوننا بالفراغ، عندما نقف منتظرين، فإنا ذلك لن يسعفنا في الحصول على أي جديد، نحن من يجد الطريق إلى الطريق عندما نريد ذلك، ومن يريد يمكنه أن يحقق ما يريد، ونحن من يقود سفينتنا، وعندما لا يكون الحال كذلك، كان لزاما أن نعيد النظر فيمن نكون، علنا نعود إلى الصواب، ونعود لكي نصنع ذواتنا بعيدا عما تم تقريره بخصوصنا من طرف الآخرين.

مع بداية العام الجديد، تبدأ حكايات جديدة، تبدأ مواسم جديدة، تبدأ ذكريات جديدة، نعتقد بأننا بصدد البدايات، لكنها ليست كذلك، لأن ما بدأ كانت له بوادر البدء قبل الآن، ويمكن أن ينتهي الآن أو عندما يحين وقت الانتهاء، وما بدأ لم يبتدأ كما ينبغي، بل إنه ابتدأ فقط لأنه تزامن مع موعد البدايات الكبرى، والبداية ليست بداية إذا استحالت نهاية، والبداية هي ما بدأ وابتدأ وظل كذلك بنفس الوتيرة، ولذلك لابد أن يختار المرء من أين يبدأ، ومع من سيبدأ، وكيف يبدأ، ثم أن يجعل هذه البداية بداية بالقوة والفعل، وليس بداية لنهاية محتملة، لأن الأشياء الجميلة تبدأ ولا تنتهي، وعندما تنتهي فكأنها لم تبدأ، وقد انتهت، لأنها لم تكن تستحق أن تبدأ، فإذا كانت البداية دوما أجمل، فلنحاول أن نحتفظ ببداياتنا، لكي نستمتع بها دوما، وأن نحافظ كثيرا على المزاج الذي انطلقنا معه، لكي لا يتعكر بخيبة النهايات.

انطلق العام الجديد تاركا أحداثا وذكريات متنوعة على قارعة الطريق، تذكرنا بأننا أخطأنا في حق أنفسنا في بعض الأحيان، وأحيانا أخرى نتذكر الجانب الأجمل من صوابنا، نتذكر أنفسنا عندما اخترنا الصواب بعد أن اقتربنا من الخطأ، لكن كل ذلك يندرج ضمن ما مضى وانقضى، وفي كل مرة نتفكر هذه الأمور بنوع من الحنين، ربما يكون ذلك قد ساهم في ما وصلنا إليه، وربما دمر جزءا منا دون أن ندرك ذلك، وقد يكون الأمر الصائب أن كل ما حدث ليس سوى جزء ضئيل من حكايتنا الكبرى، تلك الحكاية التي نكتبها على الدوام، ولن ننتهي إلا بعد أن ننتهي من هذا الوجود، هكذا إذن تسير الحياة، وهكذا نمارس نوعا من الحنين إلى الماضي القريب، كما نمارسه أيضا لاستشراف المستقبل القريب، وهو المستقبل الذي نقرر من خلاله أن القادم سيكون أجمل لا محالة، فمع بداية العام ننظر إلى العام على أنه طويل، لكن عند نهايته، ندرك بوضوح أنه كان أقصر مما كنا نتصور، ولهذا كان لزاما علينا أن نعيد صياغة حكايتنا بطريقة تلائم نظرتنا إلى الحياة.