مِن الناسِ مَيْتٌ وهْو حيٌّ بذِكره...
وحيٌّ سليمٌ وهْوَ في الناس ميّتُ
كم من ميتٍ حيٌّ، وكم من حيٍّ وهو في عداد الأموات!!
هناك أناس يعيشون في الدنيا وهُم في الحقيقة أمواتٌ لأنهم يعيشون بلا ضمير ولا إحساس ولا مشاعر ولا مبدأ، يعيشون عيشةَ البهائم، فكل همِّهم أن يتمتّعوا بملذات الحياة الدنيا، من مأكل ومَشرب وشهوة ومتاع، ولا هدفَ لهم ولا غايةَ سوى إشباع غرائزهم وتحقيق ملذاتهم ومآربهم.
وبالمقابل، فإن هناك أناساً قضَوْا نَحبهم، وفارقوا دنياهم، ولكنهم ما زالوا أحياءً يعيشون في وجداننا وفي قلوبنا وفي نفوسنا، فترى سيرتهم العطرة، وآثارهم الطيبةَ، ومواقفهم النبيلة ماثلةً في كلّ مكانٍ وفي كل زاوية وزمان، وتلمس تضحياتِهم من أجل أوطانهم ومن أجل مبادئهم وقيمهم وشرف أمتهم وكرامة دينهم، ومن أجل الدفاع عن المظلومين والمستضعفين والمضطهدين من أبناء أمتهم ودينهم، شاخصةً أمامك كمعالم الطريق.
كل ذلك جعلهم يعيشون في وجداننا وضميرنا بعبق ذكراهم وعطر سيرتهم لثباتهم على الحق، ولثمرات طيبة مباركة غرسوها في حياتهم وسقوْها بدمائهم الزكية وبحبّات عرقهم الطاهرة.
أولئك الذين صدقوا اللهَ فصدقهم..وما أجملَ قولَ الشاعر أحمد شوقي فيهم عندما قال:
وَخُذ لَكَ زادَينِ مِن سيرَةٍ
وَمِن عَمَلٍ صالِحٍ يُدَّخَر
وَكُن في الطَريقِ عَفيفَ الخُطا
شَريفَ السَماعِ كَريمَ النَظَر
وَلا تَخْلُ مِن عَمَلٍ فَوْقَهُ
تَعِشْ غَيرَ عَبدٍ وَلا مُحتَقَر
وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوْا بَعدَهُ
يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر
أسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من الذين تخلد بالخيرات والمكرمات ذكراهم، وأن يثبتنا على الحق، إنه هو السميع العليم.
