على عكس ما عليه الحال في أكثر من مدينة أوروبية تبدو الجزيرة الخضراء إحدى بلديات مقاطعة قادس في منطقة الأندلس جنوب إسبانيا نموذجا فريدا للتعايش، فلا مكان فيها لخطابات الكراهية والعنصرية.
في هذه المدينة يعيش أكثر من عشرة آلاف مواطن مغربي يشكلون إلى جانب مواطنين من 129 جنسية أخرى فسيفساء ثقافية يبدو عصيا إيجادها في المدن الإسبانية.
وتظهر نتائج دراسة أعدها معهد الدراسات الاجتماعية التابع لمؤسسة "هوامش وروابط" في مدينة الجزيرة الخضراء أن نسبة 30.6% من المواطنين يعتقدون أن المهاجرين يساهمون في تحسين حياة مجتمع المدينة.
ويرى 35.4% ممن شملتهم الدراسة أن المهاجرين يساعدون في توفير مناخ للتعايش بين الجنسيات والثقافات المتعددة التي تتشارك الحياة بهذه المدينة الأندلسية.
الجغرافيا والتاريخ
ويرجع عمدة الجزيرة الخضراء خوسيه إغناثيو لاندالوثي تلك النتائج إلى "موقع مدينة الجزيرة الخضراء كنقطة تقاطع الطرق على مر التاريخ، مما جعلها تحتضن مجتمعا متسامحا ويفتح ذراعيه مرحبا بالجميع ويظهر كرم الضيافة بقوة".
وحسب الخبيرة في علوم الأنثروبولوجيا كريستينا ماركوس، لم تكن عوامل التاريخ والجغرافيا وحدها السبب، بل في هذه الروح التي ترجعها أيضا إلى "سياسات محلية فضلت الابتعاد عن التمييز بين الوافدين الجدد والسكان المحليين".
وتوضح كريستينا أن الجزيرة الخضراء لم تعرف "معاملة تفضيلية مع المهاجرين، لكن بالمقابل تمت توعية كل من استقر هنا بأنه لا فرق بينه وبين المواطن الإسباني، وأنه علينا العمل كرجل واحد للإسهام في نمو المدينة".
وفي ميناء المدينة تختلط أصوات صفارات البواخر الراحلة إلى ميناء طنجة المتوسط بضجيج السوق الشعبي المقابل لميناء الجزيرة الخضراء، حيث يتجمع في محيطه عشرات الباعة المتجولين بحثا عن عائدات بسيطة تخفف حدة الأزمة الاقتصادية التي تجثم على صدور آلاف المواطنين في إقليم الأندلس.
وفي متجره البسيط يعرض المهاجر المغربي محمد الشاوني -الذي استقر هنا قبل 23 سنة- أسباب مكوثه في مكان وصلت نسبة البطالة فيه إلى 30%، قائلا إنه "منذ قدومي إلى الجزيرة الخضراء لاقيت ترحيبا واحتراما من طرف سكان المدينة وجيراني في الحي".
ويضيف الشاوني "كنت أول من فتح محلا لبيع اللحوم الحلال، والآن أستطيع الجزم بأن 60% من زبائني هم من الإسبان، وهذا يوضح حجم التعايش السائد في هذا الفضاء".