جلس أمام هاتفه بملل كالعادة والفراغ يملأ وقت حياته، أيام تتشابه مع التي سبقت ولا يوجد أي شيء جديد، تنقل بين تطبيقات هاتفه ليرى كيف يعيش العالم أوقات فراغهم وكيف يقضون عطلتهم السعيدة، بدأ يتأمل صورهم وهو يشعر بالمرارة في نفسه لما رأى فردوسهم، كل شيء مثالي لا تشوبه شائبة، مظهرهم لباسهم وقفتهم منازلهم ممتلكاتهم وعطلتهم حتى حيواناتهم حياتهم أفضل منا، حياتهم رائعة براقة وحلوة من يراها يشتهي ما هم فيه من نعيم، جنة الأرض وهم أهلها ونحن جحيمها وأهلها، يعود لنفسه فيتحسر على واقعه ويندم على حياته، الكل يعيش ويستمتع إلا أنا يا لحظي التعيس!.
دخل إلى صفحته في الفايسبوك وبدأ يكتب ويشتكي من واقعه وحياته البائسة الرمادية ويقارنها بما يعيشه الآخرين من حياة مزهوة بالألوان، يتمنى أن يرزقه الله نعيمهم الذي يعيشون تحت كنفه، يرجو الحصول على أوراقهم الخضراء ومساكنهم الموقرة وسيارتهم الأنيقة، يسعى أن يخرج من بلاده ويقضي عطلة في جزر لا يرى فيها بني جلدته ويلبس أفضل ما لا يلبسونه، يرى فريقه الإنجليزي المفضل ويحتسي الشاي بالحليب الذي يعشقه رغم أنه لم يذقه قط، يمتلك حبيية أو حبيبات مثاليات مثلما يراهن في المسلسات والأفلام التي يتابعها يوميا، ابتساماتهن ناصعات البياض تضيء له عتمة حياته.
اشتكى وتحسر وسرح في خياله كثيرا وعبر عما يدور في وليجة نفسه وختم كلامه قائلا" للأسف نحن نعيش على هامش الحياة". نشر ماكتبه وذهب لفترة ثم عاد ليقرأ التعليقات، العديد من معجبي صفحته وافقوا رأيه وأعجبوا بكلامه وإمتلأ منشوره بالقلوب دليلا على كلامه الصادق والصائب وبدأ كل واحد يشتكي ويتحسر على طريقته من سخرية وتهكم إلى أن تصل إلى السماجة والرداءة بعينها.شعر بأنه ليس وحده من يعاني وهناك الكثير من يشارك طرحه، تحسن مزاجه قليلا لكثرة الإعجاب والتعليق لكن لفت إنتباهه تعليق طويل موجه إليه، تهجم وجهه قليلا وعلم أنه تعليق سيعكر مزاجه لأنه سيكون كلاما عن الوعي والصبر وحب الوطن والرضوخ بالواقع ونحن المسلمين وهم الكفار، إلخ.
تنهد ببطء وقرر أن يقرأ التعليق وبلمسة من يده ظهر التعليق كاملا:" أنا لا أعرفك وأنت لا تعرفني ممكن سأظلمك لأن ما سأقوله هو عبارة عن وجهة نظري لأشخاص أظنهم مثلك، قلت في خاتمة كلامك "للأسف نحن نعيش على هامش الحياة" كان هذا أجمل ماقلته وأصدقه وأعجبني كثيرا لكن لا أوافق معناه بمفهومك أنت، نعم نحن نعيش على هامش الحياة لأننا لم نفهم معنى الحياة أصلا، اشتبكت علينا مفاهيمها فاشتبك واقعنا واختلطت علينا حياتنا، لم نعد نفرق ما بين ما نحتاج وما نشتهي، ما تقوم عليه الحياة وبين زينتها وزخرفها، ما بين الأساسيات وما بين الشهوات التي لا تشبع، لم نعد نفرق بين الحياة التي أرشدنا إليها خالقها وبين حياة اليوم، حياة لو فهمناها بمفهوم صانعها لعرفنا كيف نعيشها، بين حياة قدوتها أحسن البشر صلى الله عليه وآله وسلم وبين حياة قدوتها مشاهير الأرض، مشاهير لو عرفنا تفاصيل حياتهم الحقيقية وليست الملونة لعافت فطرتنا منهم.
نعم الواقع سيء، الكل يعاني والكل لديه مشاكل، الحياة ليست وردية وليست فيلما يداعب مشاعرك وأنت مستلق، المشكلة ليست أن تقضي عطلة ممتعة أو سيارة جميلة، ما أراه مشكلا هو أن تقارن حياتك بحياة ما تراه عيناك فهذا أسوأ ما تفعله وستظلم نفسك، ستخلق مشاكل من لا شيء، ستجعل نفسيتك مزاجك أعصابك إيمانك وقوتك بيد أشخاص لا يهتمون أصلا بك، ستتحرك أينما حركوك ترغب مايرغبون وتشتهي ما يشتهون وتكره ما يكرهون، ستضع معيار سعادتك في مكان يصعب الوصول إليه، عندما تجعل نفسك رهينة أسلوب حياة ليس بمقدروك عليه ولايلائم ربما حتى هويتك وفطرتك فأنت ياصديقي من وضعت نفسك على هامش الحياة لأنك جعلت الحياة لا تقوم إلا على شيء مقدس واحد ألا وهو المادة، ومن لا يملك المقدسات فسيضيع في غياهب الحياة لأنه سيجد نفسه لوحده يصارع بدون إيمان ولا قوة تحميه ويتقوى عليها.
نعم نحن نعيش على هامش الحياة إن نحن آمنا بهذه الفكرة التي رضعناها منذ صغرنا لكن إن عرفت معنى الحياة الحقيقي، أن تكون واقعيا مقاوما لظروفك ستعي مايجري حولك حينها سترى من يعيش على هامش الحياة حقا. انتهى من قراءة تعليقه، حك جبينه وشرب قليلا من قارورة ماء موضوعة أمامه ثم وضع له إعجاب على تعليقه، أطفأ هاتفه وانتقل إلى حاسوبه لكي يكمل مسلسله الذي لم يبقى سوى ثلاث حلقات ليكمله.