سيجرك العالم إلى حافة الهاوية ما دمت وحيدًا، لن يردعهم أي شيء عن جعلك الأضعف أو ربما الأغبى.. سيحاولون بكل اجتهادٍ حقيقيّ أن يجعلوا منك كائنًا هشًا يسهل تقيده.. لا حراك ولا صوت، كائن مسلوب الإرادة والحرية في آنٍ واحد.. من الصعب اكتشاف أن هناك خطأ ما أو مشكلة ولربما معضلة في كونك مجرد من كل ما تستحق امتلاكه، لن تفهم ذلك وحدك حتمًا وخاصةً إن كبرت على هذا الحال فلن تفهم إلا أن هذا هو الحال الأفضل أو لنقول الأمثل إن شئت.
ولأن هناك ظلام فإن هناك نور، حتى وإن ولدت وعشت حياةً طويلة في الأول، ستكتشف الثاني يومًا مهما مُنعت.. فليسلبوا منك ما يشاءون، لا تهتم أبدًا لمحاولاتهم مهما طالت.. سيفشلون لا محالة، فشلهم مُطلق بينما نجاتك ورؤيتك محتمة.. سيأخذك أحدهم إلى النور ولسوف ترى ما لم تتخيله أبدًا.. عندها سيجتمعون من جديد حتى يخيفونك، سوف يخبرونك أنك متمرد، اعلم حينها أنك علمت ولربما فهمت كذلك.. سيحاولون سلبك كل شيء من جديد لكن هيهات!
يصعب عليهم اسكاتك أو تجريدك من البصر مجددًا، بعد أن أبصرت لن تترك النور مخافة الظلام إلا إذا كنت غبيًا.. كلما حاولوا تخويفك ستنغرس أقدامهم في الفشل أكثر وكأنهم في رمالٍ متحركة، لن ترحم من تعدى على مملكتها العظيمة.. نعم، إن الفشل مملكة خاصة تُهلك من يتجرأ عليها، أما النور فهو مملكة الممالك حيث يرفع كل من تقرّب له بمقدار حبة رمل أو أدنى.
يعيش العالم في مملكةٍ من الظلام بل ويتظاهرون بعشقهم لذلك، في الواقع كلهم يعشق الظلام فعلًا.. وهناك من سيخبرك أن العالم سيغدو أفضل إذا اهتممت بشأنك الخاص وبدأت في سماع وطاعة كل أمر ممن هو أكبر منك أو بالأحرى من هو أعلى منك.. لن يجعلهم ذلك من كارهي الظلام، هم نوعٌ من محبي الخنوع.. جُبناء كفأر.. الكل يهاب التغير ويرتعب للفكرة لذلك سيتهمونك بالتمرد ولربما تصبح كافرًا مدى الحياة، رغم أنك لا تطلب سوى أن تحيا كأحياءٌ أحياء.. كلهم أحياءٌ ميتون، ولا يرون هذا أبدًا!
ستواجههم أولًا بطريقتهم لكنك لن تجابه كل هذا الصراخ والخناق، ليس لضعفٍ منك لكنه الاختلاف أو عدم التوافق بين طرائقهم المائلة إلى العنف وطريقتك الطيبة أو الساذجة.. ستقرر الهرب.. إلى أي مدى تستطيع الهروب؟ لن تسأل نفسك أبدًا عن هذا، لازلت في البداية.. أنت ساذج أكثر مما تتصور لذلك لن تفهم معنى أن يعتبروك متمردًا على كل ما خططوا لك أو كل ما أجبروك عليه.. لن تفهم هذا إلا بعد مرور سنوات على هذه الحال.. الإنهيار النفسي سيرافقك وستبدو كئيبًا أكثر مما ظننت يومًا لكنك كما قلت لك سلفًا ساذج جدًا فلن تفعل شيئًا إلا أن تنغلق على نفسك أكثر.. ستبتعد عنهم أكثر مما تتصور.
يومًا ما ستقرر المواجهة.. مهلًا، سيقرر عقلك الباطن فعل ذلك عنك.. حينها ستجد في يدك ورقة وقلم يُكتَبُ داخلهم أشياء لا تعلم من أين جاءت، بأحرفٍ وكلمات لم تعلم أبدًا أنها هناك في عقلك الذي لطالما تعاملت معه على كونه غبيّ لا يستطيع فعل شيء.. رغم أنك قللت من شأنه لن ينقذك من الإنهيار سواه.. سيعلمك أن تواجه بطريقةٍ أفضل، لن يفهموا أنك تواجههم.. لا أحد يعلم أن القلم يواجه شيئًا، لا أحد منهم يفهم ذلك.. سيقرأون وينبهرون دون أن يصلوا إلى ما بين السطور.
بعد أعوام ستصل إلى الحقيقة.. حقيقة أنهم فعلًا لا يرون شيئًا هجوميًا فيما تكتب لكنك ستغدو أفضل على كل حال.. لازلت تكتب برقة وتخاف جرح مشاعرهم لكنك لن تفلح في هذه الرقة ما دمت تريد الكتابة.. سيخبرك أحدهم أن تستخدم عقلك الذي أنقذك في السابق بشكلٍ أفضل لأنه سلاحك الوحيد.. فكر بحريةٍ وجموحٍ أكثر.. كلهم يخافون التغير فكن تغيرًا بحدِ ذاتك.. لقد أصبحت غريبًا عنهم منذ أمسكت قلمًا وصرت تكتب.. هذا ما يجعلك مختلفًا عنهم جميعًا لأنك أول من سلك هذا الطريق.. هناك تغيرًا ما تبدأه أنت لا يستطيع أحدًا منهم منعه أو الوقوف أمامه للحظة.. سيستمر دون خوف، لن تستكمل المسير بكل هذه الرقة الكتابية.. ستصلُ يومًا إلى النقطة التي ستبدأ منها إظهار بعضٍ من حريتك وثورتك الداخلية بكلماتٍ واضحة لا يخطئ فهمها أحد.. سيفهمون بعدها أنك لم تستسلم لمرة منذ البداية لكنك واجهتهم على الدوام.. لم يصبك الخوف من مملكة الظلام خاصتهم لأنك علمت أنها حرب عليك خوضها لكنك قررت خوضها بطريقتك الخاصة.. داخلك يؤمن بأن طريقتك ستنجح.. اختلاف طريقتك هو ما يميزها عن كل طرقهم الفاشلة في إرجاعك إلى الخلف.. ستنجح يومًا ما في هذا لكن عليك الإيمان بما تستطيع فعله أكثر.