10.01°القدس
9.77°رام الله
8.86°الخليل
15.9°غزة
10.01° القدس
رام الله9.77°
الخليل8.86°
غزة15.9°
الخميس 05 ديسمبر 2024
4.6جنيه إسترليني
5.1دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.62دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.6
دينار أردني5.1
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.62

خذوا ظروف الآخرين بعين الاعتبار!

533 (1)
533 (1)
لحبيب آيت أ صالح

يخرج الناس إلى الحياة وقلوبهم مليئة بما يكفيها، لقد فرضت عليهم همومهم أن ينغمسوا فيها، يتمرنون على أن يجعلوا حقيقتهم تتوارى خلف ما يبدو عليهم، لكن تلك الأمور أقوى من تُبعدها الملامح. كل شخص هو حكاية لا تزال تُكتب، كل شخص ينطوي على ظروف أجبرته أن يكون كما هو، وكان بالإمكان أن يكون أفضل، أو أسوأ، كما كان بالإمكان أن لا يكون أبدا، هكذا هي الحياة، تستعصي على الفهم، فلا أحد يَقدِر على استوعاب عبث الحياة، لعلها تسير بشكل غريب، وتدفع بالإنسان نحو ما لا يشتهي، وأحيانا ما يشتهي، لكن الغالب هو أنه يستسلم لما تفرضه ظروف الحياة، فيحاول بكل عنفوانه أن يتربص بها، لعلها تمنحه بعضا مما يريد، لكن ما يريده هذا الكائن يصعب أن يأخذه بسهولة، فالحياة لا تعطي بسخاء، بل تجبرنا على أن ندفع الثمن، وأحيانا ندفع الثمن غاليا، هكذا نواجه ما تمليه علينا الحياة من ظروف، فنضطر بكل إرادة أن نبدو أفضل مما نحن عليه، لكن ظروفنا تغلبنا فنظهر بالشكل الذي يناسب ما فرضته علينا الحياة.

ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، كثيرة هي الأمنيات، وقلما نجد إلى تحقيقها سبيلا، رغم أننا لم نحلم بأشياء عصية، نحاول أن نحارب من أجل أمنياتنا وأحلامنا، لكن ما تفرضه الحياة، يؤجل دائما موعدنا مع الانتصار، نتمنى ما يستعصي على التمني أحيانا، ونؤمن بما نتمناه، لعل هذا الايمان يفجر تلك الأمنيات، لكن الأمور لا تسير بهذا المنطق، إنها تسير بالشكل الذي هي عليه، بالشكل الذي يجعلنا كما نبدو، فقد نحقق من أمنياتنا كثيرا، وقد لا نحقق شيئا، هناك حرب نخوضها من أجل ذلك، قد ننتصر، لكن الهزيمة جزء من اللعبة أيضا، وعندما نواجه الحياة، نتوقع الأسوأ، وهذا يعني أن حظوظ الانتصار ضئيلة، بينما الهزيمة محتملة دائما، وإذا انهزمنا فإننا نأخذ الأمر برحابة صدر، هذا لأننا اعتدنا على الهزائم، الانتصارات هي التي تثير فينا الاستغراب، وعندما ننتصر، نكون قد حققنا إنجازا لا نمل من تذكره.

لكل شخص حكاية، وكل فرد بمثابة حكاية تنسج خيوطها التي لم تكتمل بعد، هذه الحكاية مليئة بالأحداث، فلا يجد صاحبها بدا من ممارسة حياته بالشكل الذي يظن أنه فُرض عليه، نحن مجانين عندما نتحدث عن الحرية، لأن الذين تُمارس عليهم الحياة ضغوطها لا يعرفون الحرية أبدا، هم فقط يقاومون، ويواجهون، وقد يستسلمون، وقلما ينتصرون، الخسران والهزيمة هو العنوان العريض لمن لم يجد نفسه على استعداد لمواجهة الحياة، الحياة تُصنع بالقوة، ومن لم يمتلك هذه القوة، تقتله الحياة بالقوة، ليس لأن البقاء يكون دائما للأقوى، ولكن ظروف الحياة تقهر الضعفاء، ومن لم يجد ظروفا مناسبة لممارسة الحياة، فهو في الغالب سيضطر لمواجهة الحياة، والظروف، هذا إذا أراد أن يعيش، والحياة لا تسعفه في الاختيار، هو الذي يختار ما يريد، بين أن يواجه بطش الحياة لينال منها، أو تمارس عليه الحياة عنفوانها، قبل أن تضعه في الهامش.

لكل منا ظروف تنطوي عليها حكاياتنا، نحاول أن نتوارى خلف الظروف، لنظهر بشكل أفضل، لكن ذلك لا يدوم طويلاً، فما تدفعنا إليه الظروف يكشف عوراتنا، فيجعلنا ضحايا لظروف لم نخترها أبدا، ولم نكن لنختارها لو منحت لنا حرية الاختيار، وهذا لا يعني بأننا لسنا أحرار، نحن أحرار إلى حدود معينة، إلى الحدود التي تفتك فيها بنا الظروف، فنصير خاضعين للظروف التي جعلتنا نبدو بالشكل الذي نبدو عليه، فما أسوأنا عندما تكون ظروفنا أقسى مما نرفض! هكذا تبيح لنا الحياة ما لا نستسيغه، فتجبرنا على اعتناق ما تجود به علينا من معاناة وقسوة ومرارة، لا نملك حيالها في البداية إلا أن نواجهها، ونفعل ذلك حفاظا على ماء الوجه، لكن بقدر ما تشتد هذه المعركة، نتوقع الهزيمة، هذا لأننا لم نجد من يساندنا في هذه المعركة، فنضطر بكل كبريائنا أن نستسلم، نستسلم عندما تنهار قوانا، ونستسلم عندما لا نجد بديلا من الاستسلام، هذا لأن معركة الحياة تحمل بين طياتها هذا الاختيار، وهناك اختيار آخر يتأسس على القوة، وبما أن القوة لم تكن في متناولنا، وقع اختيارنا على الاختيار الضعيف، وما أسوأ الحياة حين تمتحنك كرها، وأنت تعرف مسبقا بأنك ستنهزم!

نتوقع الهزيمة عندما لا نملك الوسائل الممكنة لمواجهة الحياة، وهذا لا يعني السقوط النهائي، هذه الهزيمة مرتبطة بكل ما كنا نسعى إلى تحقيقه، وكل ما كنا نرغب في أن نصيره، وفي خضم معركة الحياة، نجد أنفسنا محصورين في إطار لم نكن نملك حياله إلا أن نتقبله، لأن ما تفرضه أمنياتنا لم يكن حليفا لنا، فنتقبل بعضا مما تجود به علينا الحياة، والحقيقة أن الحياة أوقفتنا عند ذلك الحد، وجعلت مساعينا لا تصل إلى الهدف الذي كنا ننشده، لأن الظروف لم تشاء أن تساير ما نطمح إليه. هناك من أرغمته على الخروج من المدرسة، والذهاب في مسار جعله يندب حظه العاثر وسط مرارة الظروف، وهناك من لم تتيح له الظروف حتى دخول المدرسة، فيجد نفسه في حال لا يحسد عليها، وهناك من واجه الظروف ليكمل دراسته، ويحقق بعضا مما يسعى إليه، وفي ظل كل هؤلاء هناك من ساعدته الظروف على أن يحلق عاليا، ليس لأنه يجيد الطيران، ولكن هناك من عرف كيف يروض هذا الظروف لصالحه، فلم يجد حيالها إلا هذا التحليق، ويترك الاخرين يسبحون في أحلامهم وآلامهم، هذا لأن منطق الحياة لا يسير إلا لصالح القوي، أو المقاوم.

أن تقاوم الظروف، وأن تواجه عنفوان الحياة، فذلك ليس سهلا بتاتا، وليس في متناول أي شخص، فالتسلح بالقوة في أشد لحظات الضعف لا يتسم بها إلا من يمتلكون في دواخلهم طاقة تسعفهم عند اللحظات التي تقترب الحياة أو تكاد من أن تميتهم قهرا، لقد تعلموا المقاومة، وعرفوا أن ظروف الحياة تستدعي أن نقف في مواجهتها، وأن نأخذها على محمل المقاومة، بدل أن نتركها تدهسنا، نحن أقوى من أن نموت بسهولة، ونحن أشد صلابة من أن نستسلم بسهولة. لكن الحياة تدفعنا إلى ما لا نشتهي، ولكي نغطي ضعفنا، وقلة حيلتنا، نُدفع مجبرين على ممارسة ما يتنافى مع طموحاتنا ورغباتنا، ليس لأننا نخاف الحياة، بل لأننا نواجه الحياة حتى نستولي عليها، نواجهها بحذر، ونمارس بعض الحيلة قدر الإمكان، حتى نكتسب طاقة جديدة، هذه الطاقة هي التي تسعفنا عندما نقرر أن نفتك بالحياة.

هناك من يفتك بالحياة، وهناك من تفتك به الحياة، فيقع ضحية ظروف لم يملك حيالها إلا المواجهة، وقلما يفلح في الانتصار، فيضطر إلى تقبلها بصدر رحب، هؤلاء الذين يملئون جنبات الحياة، مليؤون بما يكفي من الأسباب لكي يصيروا هكذا، لقد استسلموا مرغمين لظروف أنجبتهم، وجعلتهم يتمنون أن يصيروا أفضل، لكن ذلك يبقى مجرد أمنيات، لأن الحياة بمكرها جعلتهم مستسلمين لظروفهم القاهرة، حتى باتوا لا يطلبون المستحيل، ولم يحلموا بأشياء عصية، لقد اعتادوا البساطة، فكانت أحلامهم بسيطة، لكن الحياة لا تسير بهذه البساطة، الحياة تفرض سلطانها وقوتها في جميع الأحوال، ومن لم يعتد على ذلك، لن يصل إلى أكثر مما هو فيه.

ينبغي أن نتعلم أن نأخذ ظروف الآخرين بعين الاعتبار، وألا نحاكمهم انطلاقا من الوضعيات التي نصادفهم من خلالها، فالمجرم قد تكون الظروف هي التي جعلت منه مجرما، وحتى أولئك الذي يعملون في أعمال بسيطة، تلك التي يحتقرونها في مجتمعاتنا، هؤلاء أجبرتهم الظروف على ذلك، ربما يخبئون في دواخلهم مرارة حظهم، وربما لم يجدوا بديلا من تقبل واقعهم، أو لم يجدوا من يسعفهم في تغييره، وهذا لا يعني أنهم غير قادرين على تغييره، بل إن ذلك هو أقصى ما منحهم الواقع. كلنا جئنا نتيجة ظروف دفعتنا لنكون كما نحن، قد لا نكون الأفضل، لكننا على الأقل ينبغي أن نواجه الحياة، وألا نقف لنتفرج فيها، ذلك لأن الحياة لا تأخذ ظروفنا بعين الاعتبار، ونظرا لأن لكل واحد منا ظروف دفعته ليبدو بالشكل الذي هو عليه، كان لزاما علينا أن نحترم الأخرين، وأن نضع ظروفهم دوما في الحسبان.