النجاح! كلمة متعددة الاستخدامات والوجوه فإنها بالنسبة للعازب قد تعني الزواج وبالنسبة للسياسي قد تعني الفوز في الانتخابات، هكذا يكون الأمر عبارة عن مصطلح نسبي لا يمكن أن نجعله مطلقا. الناس أجمعين يريدون النجاح باختلاف معتقداته وأساليبه ووجوهه لكن أين يمكن أن يكون النجاح الحقيقي؟ من الصعب جدا أن تكون ناجحا في كافة الأمور التي تقوم بها بل وربما يكون الأمر مستحيلا على أغلبية الناس فمن الصعب أن يكون الإنسان ناجحا في السياسة وأن يكون طالبا متفوقا وأن يكون متعدد النجاحات في ميادين مختلفا ولكن لنتسائل قليلا عن الفوائد التي نحصدها من هذه النجاحات، فبعضها يكون ماديا والبعض يجعل حياتك قد تبدو أفضل أو أكثر سعادة ولكنها قد لا تكون دائمة مثلا المال قد يزول والسعادة في بيت الزوجية أو الحب قد تذهب بعض أن كانت حاضرة.
إذا ما هذا كله وهل نستطيع أن نطلق على تلك النجاحات التي ذكرناها أنفا نجاحات حقيقية؟ النجاح الحقيقي يكمن في شيء واحد وهو الدين لأنه قادر أن يحكم أن يحكم منظومة الحياة بأكملها وتوجيهها وثوابه يعد أكبر ثواب وهو الوحيد الذي لن يتخلى عنك مع الزمن وسيؤول إليه مصيرك إما أن يجعلك سعيدا في النعيم أو أن يجعلك بسبب إهمالك له وظلمك لنفسك شقيا في الظلمات. الإيمان هو النجاح وسره وكينونته لأنه النجاح الأكبر من التحدي الكبير إلا وهو الدنيا، فالدنيا تعتبر أعظم اختبار للإنسان ولن يستطيع النجاح فيها من دون المنظومة الدينية وعندما نذكر الدين فإننا بالتأكيد نعني دين الإسلام فهو الحل الرئيسي والنموذجي للاختبار وهو أول الغيث وآخره.
فالمؤمن هو الرابح الأكبر وإن فشل في جميع الميادين لقوله صلى الله عليه وسلم: "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ" (رواه مسلم)، فسيكون رابحا لأنه ظفر بما ليس عند الناس في الدنيا فهو شخص عرف فيما تم اختباره وقد علم سبب وجوده ومن الذي أوجده. إن كنت ناجحا في أمور الدنيا فلا تفرح أنت فقط ممن ادعوا أنفسهم ناجحين دون أن يعلموا فيما تم اختبارهم أو لم يعلموا ما المطلوب منهم فعله هكذا سيبدوا حالهم.
أمور الدنيا قد نصيب بعضها لكننا لا نستطيع أن نصيبها كافة لأننا لا نملكها وما نجنيه منها ينتهي في ستين عاما أو أقل أو أكثر، فقط سيبقى أمر واحد سيظل معنا إلى الأبد إلا وهي أعمالنا التي فعلناها في حياتنا الدنيا سواء كانت أعمال خير أو شر سنسأل عنها أمام رب العباد وسنحاسب عليها، أمور قد تهدم كافة أفعالنا التي ظنناها في بادئ الأمر أنها نجاح أو إنجاز أو أموال اكتسبناها يقتصر مفعولها على الدنيا ثم ما نلبث أن نجدها سراب كنا نظنه ماء.
قد نستفيد من إنجازاتنا إذا صلح إيماننا وصلحت نياتنا فإذا كنت تكسب مالا حلالا وتتصدق منه للفقير وابن السبيل وتنفق على أهلك فأنت ناجح حقيقي في الدنيا والآخرة أو أن تنجح في مشروع معين وأنت مؤمن تعي مسؤولياتك وما يطلبه الله منك فهذا هو النجاح الحقيقي. إن الإسلام لا يريد منا الانقطاع عن العمل الدنيوي والدعوة إلى الرهبانية ولكنه في الوقت ذاته لا يريد منا الانغماس في الأعمال الدنيوية ونسيان ما هو مطلوب منا فعله وما نحن مقبلون عليه بعد الدنيا وليس هناك دين يتوازن بين الدنيا والآخرة كما يفعل الإسلام دين الحق.