11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
16.64°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة16.64°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

عندما نتعرض للخذلان!

533 (1)
533 (1)
لحبيب آيت أ صالح

أن تكون اجتماعيا بطبعك كما نصت على ذلك أفكار بعض الفلاسفة، فهذا الطبع يُدخلك في دوامة من العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، وانتمائك لجماعة معينة، يفرض عليك بشكل أو بآخر التورط في علاقات متنوعة مع الآخرين، فقد يكون لك أصدقاء، وقد تعتبرهم بمثابة إخوة نظرا لقوة مواقفهم، ثم إنك قد تدخل في علاقة غرامية تُشعرك بكيانك إذا كنت مع الشخص الصحيح، وتُولد هذه العلاقات في إطار الانتماء إلى بيئة موحدة، أو أفكار مشتركة، واهتمامات متبادلة، أو في الدراسة والعمل، وهكذا يجد أغلبيتنا أنفسهم متورطين في علاقات متنوعة، وفي الغالب لا نشعر بأهمية هذه العلاقات إلا من خلال المواقف التي نتصادفها أثناء تجربتنا الوجودية، والمحفوفة بكل الممكنات، فنضطر إلى استنطاق علاقاتنا، تلك التي نَعتقد أنها قد تفي بحاجتنا إليها، وقد نجد فيها ما يمكن أن يسعفنا لنتجاوز محنتنا، لكننا أيضا قد نجد فيها ما يتنافى مع اختيارنا لعلاقة معينة، إذ من خلال تلك المواقف نستكشف قدرة الاخرين على مساندتنا ودعمنا، والحقيقة أننا نحتاج كثيرا إلى هذه المواقف لكي نختبر ونختار من يستحقون أن ينضموا إلينا، ولكي يستكشف الآخرون إن كنا في المكان الصحيح.

ليس كل الأصدقاء أصدقاء، فهناك من تركناهم على حافة الانتظار، وهناك من تركونا نواجه إعصار الحياة، والحق أن من لم يعد صديقا لك، لم يكن صديقا أبدا كما قال أرسطو، وإذا كان هذا الأخير يُمجد صداقة الفضيلة، تلك التي تكون من أجل ذاتها، فالواقع يفرض أن ننتفع بعلاقاتنا، لأنه ليس من الحكمة أن لا تلقى الدعم والمساندة، خصوصا من أولئك الذين تعتبرهم أصدقاء، فقد تكون هناك صداقة من أجل ذاتها، لكن العلاقات الإنسانية محفوفة بالمطالب، وهذا لا يعني أنها مشروطة بوجود تلك المطالب، هذه الأخيرة تتجلى انطلاقا من المواقف التي تدفعنا فيها الحياة لطلب النجدة، وأقرب ما نطلب منهم ذلك، هم الأصدقاء، فإذا كانوا في الموعد، فهم حقا في المكان المناسب، أما إذا حدث العكس، فقد فشلنا في اختيار من يستحقون أن ينتسبوا إلى حياتنا.

لقد بات الخذلان جزء من الطبيعة البشرية، فكان طبيعيا أن نتعرض للخذلان ممن لم نكن نتوقع منهم ذلك، وبدورنا خذلنا أولئك الذين اعتقدوا أننا كل شيء في حياتهم، وجعلتنا الظروف نبرهن لهم على عكس ما كانوا يتوقعون، وهكذا تدور العلاقات الانسانية، فليس كل الناس طيبين لكي يمارسوا صداقاتهم كما ينبغي، وليسوا كلهم قادرين على تحمل همومنا ومتاعبنا في الحياة، ولن ينجحوا جميعا في اختبار المواقف، الأغلبية دائما تفشل في هذا الاختبار، والقليلون النادرون هم من يقدروا حسب قدراتهم على التشبث بنا في اللحظات التي نكون فيها على حافة الانهيار، وقليلون هم من يجدر بنا أن نعول عليهم، وأن نسلمهم أوراق قلوبنا، أما الكثير وعددهم لا ينتهي، فلا ينبغي أن ننتظر منهم شيئا، وأن لا  نتوقع منهم مساندتنا، هم فقط لسنا ضمن أولوياتهم، وبالتالي فأقصى ما يمكن أن ننتظره منهم هو الخذلان.

لقد خذلَنا من كنا نحسبهم أصدقاء، وخذلْنا أولئك الذين رفعوا سقف توقعاتهم معنا، وبقدر ما بات الخذلان جزء من طبيعتنا، فقد بتنا نتوقعه، ولم يعد يثير فينا الاستغراب عندما نتصادفه، ونحن لا نختاره، بل الظروف هي التي تجبرنا عليه، عندما نسيء الاختيار، وعندما نضع أشخاصا في مكانة لا تليق بهم، وعندما نقلل من آخرين أكدوا لنا واقعيا أنهم يُعوَّل عليهم، فقد تُعوِّل على غريب بالكاد عرفته، ولا تجد في من كنت تحسبه صديقا متنفسا لهمومك، ونفس الأمر في العلاقات العاطفية، وكثيرة هي التجارب التي كان الخذلان هو العنوان العريض لنهايتها، فليس كل العشاق أوفياء، كما أن الوفاء لم يعد يؤخذ بعين الاعتبار، ثم إن لعبة المشاعر لم تعد أهميتها تثير من يبدل قصارى جهده من أجلها، فقد تتوقع من حبيب أن يتفهمك، وينبغي بدوره أن يتحملك، لكنه يترك في الأوقات بدل الضائعة، يتركك تائها ضائعا بين مخلفات مشاعر كنت تَزعم أنها كانت تليق بما كنت تفعله من أجلها، لكنك تأكدت بالملموس أن الخذلان جزء من الطبيعة البشرية، وحتى لمن سلمتهم مفاتيح قلبك، توقع منهم الخذلان.

يبدو أن خاصية الخذلان متجذرة في البشر، فقد لا نعممها، لكننا ينبغي أن نتوقعها من أي كان، لأننا لا نملك بأيدينا طبيعة الاخرين وطريقة تعاملهم مع المواقف التي تعترضهم خلال علاقاتهم مع الاخرين، وهكذا يمكن أن نعتبر أن الخذلان صفة تميزنا كبشر باختلاف طبائعنا، لكننا نملك الحق في أن نكون كما تفرض علينا مواقفنا مع الاخرين، وأن نعطيهم من دعمنا ومساندتنا ما نستطيع، أما أولئك الذين يعتذرون عندما تصل بنا الظروف إلى رفع بطاقاتهم، فإننا من يتحمل مسؤولية اختيارنا لهم، ولأنهم برهنوا لنا على الجدوى من وجودهم معنا، فإن الواقع يفرض علينا أن ننسحب من حياتهم، لأنهم لا يدركون كيف يساندوا من هم في حاجة إليهم، كل ما يهمهم هو أنفسهم، ولذلك لا ينبغي وضعهم ضمن لائحة المُعوَّل عليهم، وقد يكون هذا الرأي مجحفا في حق من لا يجدون إلى تلبية النداء سبيلا، لكن الواضح هو أنه ينبغي علينا أن نقف إلى جانب من يحتاجنا، لأن هناك دائما حلول، المهم هو أن نبادر بطريقة ما، بدل أن نترك أولئك الذين يحتاجونا في دوامة معاناتهم.

الخذلان هو جزء من اللعبة الكبيرة، والتي يأخذ فيها كل واحد منا نصيبه، فإذا خذلنا بعضا من أصدقائنا وأحبائنا، فإننا بدورنا تعرضنا للخذلان، ولهذا لا ينبغي أن نتأثر بالخذلان حتى لا نضيع وسط طلب الآخرين دوما، فلننسى من خذلونا، ولينسانا من خذلناهم، ولنستمر في الحياة بعيدا عن الاحتماء بالآخرين، وأن نعتمد على أنفسنا ما أمكن، وإذا أسقطتنا الحياة فيما لا نشتهي، فلا نتوقع من الآخرين أن يكونوا عند حسن توقعاتنا، فقد يكونوا فعلا كذلك، لكنهم أيضا قد يخذلوننا، المهم هو أن لا نضع حياتنا بأيديهم. تقول هبة حمدان: "إلى الذين تركُونا في مُنتصف الطّريق، الذين حَمّلناهم جزءً بسيطًا مِن ثقتنا، ورغم ذلك خذلونا. إلى المنافقين الذين يُسقِطون وجوههم في الأوقات بدَل الضّائِعة. إلى الذين يصَّغِرون مِن حجم آلامنا ويستَهزئون بمشاعِرنا. إلى الذين يجهلُون كيفية رؤية الحياة مِن خلالنا. إلى الذين يقذفُوننا بالجحيم كلّما أسقطنا أنفُسنا احتماءً بهم. لأولئِك الذين يعيثُون فينا خرابًا ثم ينبذُوننا؛ اللّعنة عليكم جميعًا، نحن أقوى مِن أن تُحطّمونا".