تم تعريف الموت على أنه انتهاء تام للحياة، ولكن لماذا لا يتم تعريفه على أنه استكمال لحياة أخرى؟ لماذا نستقبل الموت بكل تلك الدموع رغم أننا قادرون على استقباله بالورود؟ هل نبكي على فقدان عزيز؟ أم نبكي على أنفسنا؟ أم أننا نبكي من المجهول؟ هل نخاف الموت حقا؟ ام أننا نخاف على أنفسنا مما لا يمكن توقعه؟ مهما حاول الأطباء والعلماء ورجال الدين بكل عقائدهم توضيح مفهوم الموت، إلا أنه لا يمكن لأي منا أن يدرك ما هو الموت حقيقة.
يراودني شعور بالذعر عندما استحضر تلك الفكرة، ربما ليس الموت هو ما يثير مشاعري ويستفزها مقارنة بما سيحدث لاحقا، من فراق للأحبة ومغادرة كل شيء واستقبال للألم والعذاب المنتظر، هذا ما صوروه لنا، أننا سنتألم وسنتعذب وسنعاني من سكرات وسنبات في ظلمة موحشة، سنفترق عن الأحبة وسينسانا القريب وسنخسر الدنيا، بما أن كل الذين عاشوا تلك اللحظات غادرونا إلى الأبد؟ فكيف لاي منا أن يحكم أن هذا هو الموت؟ لماذا تم برمجة عقولنا بهذه الصورة؟
في اللحظات الأولى بعد الولادة عند الخروج من رحم عالم الذر إلى الحياة الدنيا، عندما بدأنا مرحلة العالم المادي المتمثل في الجسد، اتخذت الروح صفة الجسد وبدأت بمرحلة السجن المؤقت داخل كل تلك التفاصيل المعقدة، لتختلط الروح بأحشائه تماما، ولا يمكن لاي شيء ان يفصل الروح عن ذلك الجسد سوى بانتهاء فترة السجن المؤقتة لتنتقل بعده إلى حياة البرزخ حرة طليقة، فالروح لا تزال تحيا من قبل أن تتمثل في ذلك الجسد وحتى بعد تحررها منه، لكونها من روح الله، "فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا" التحريم 12، والله حي لا يموت لذا فإن الموت هو حالة معاكسة للولادة وليس حالة معاكسة للحياة .
ستبدأ الحياة الحقيقية عندما تتحرر الروح من فكرة البعد الثالث إلى أبعاد أخرى ربما تكون لا متناهية، عندما يزول الوهم وتنكشف الحقائق عند مغادرة الجسد في سكرة مريحة بعيدة عن كل ما كنا نشعر به سابقا، "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ" ق 19، في حالة تشبه فقدان للوعي والحس والادراك المادي وفي عملية معقدة جدا يبدأ الدماغ من خلالها قذف جميع المسكرات والمسكنات الطبيعية التي يملكها الجسم لدخول في حالة التخدير التام للانتقال بعدها إلى وضع الحلم، تماما كما لو كنا في سبات ولكن هذه المرة سيكون حلم خارج المألوف لا استيقاظ بعده، وبعيد جدا عن هذا الواقع وإلى ما يسمى ملكوت الله، وهنا فقط ستبدأ الحياة الأبدية في ظل الحرية الكاملة والأمان المطلق.
لتنتقل أجسادنا مباشرة إلى التراب لتستقبلها أيضا حياة أخرى، حيث ستتحول تلك الجثة إلى مصدر غذاء لكائنات حية دقيقة والتي هي غذاء للعديد من الكائنات الحية الأخرى، وهكذا في دورة لا متناهية الأجل، فنحن باقون إلى المالانهاية، لذا فإن الموت هو نهاية لكل المعتقدات المزيفة التي اتخذتها يوما كهوية مثل الجسد الذي نلبسه الان، والشعور بالخوف الملتهب دائما اتجاه فكرة الموت هو شعور مزيف سيزول بزوال السبب، وسينتهي بانتهاء كل تلك المعتقدات حول فكرة أنت من تكون حقا.
ومهما حاولنا وضع تعريف واضح للموت، إلا أن الموت سيظل الحدث الذي لا يمكن تعريفه، وسيظل حكاية غامضة يصعب تصديقها، ومهما توقعنا الكثير حول هذا الحدث الاعتيادي الغير عادي، إلا أن الأمر أشبه بخيال، كحلم يقظة من الصعب فهم مداه.