الشائعات والاخبار الزائفة ليست بظاهرة جديدة غير أن التطور التقني الحديث ومعه انتشار وسائل الاتصال الحديثة شكلا بيئة آمنة وأرضية خصبة لترويج الأخبار الكاذبة لتعج الساحة الإعلامية بفيض من المواقع الإخبارية الإلكترونية التي تفتقر لأليات عمل مهنة سميت "بصاحبة الجلالة".
وقد شكلت الظاهرة تحديا كبيرا يطفو على السطح بشكل بارز أثناء كل حدث محليا كان أو عالميا، لتشير أصابع الاتهام الى مواقع التواصل الاجتماعي لانتشارها الواسع الذي عزز المشكلة كونها غير خاضعة للرقابة عكس باقي الوسائل الإعلامية التقليدية، ففي فترة زمنية وجيزة، سحب الشباب البساط من تحت أقدام هذه الأخيرة وتوجهوا به صوب الشبكة العنكبوتية.
فرغم الدور البارز الذي تلعبه الصحافة الإلكترونية في توجيه الرأي العام عبر سرعتها الفائقة في ايصال المعلومة والتفاعل معها غير أن معول الكذب لعب دورا هاما في القضاء على تلك المكتسبات من خلال التناسل السريع للمواقع ودون قيود تذكر. فلم يعد التنافس على الكيف ولا على جودة المنتوج الإعلامي بقدر ما أصبح تنافسا على عدد القراء والزيارات. فكثيرا ما نصادف ونصطدم بصور لا أخلاقية وأخبار لا مهنية فقط لجذب القراء الباحثين عن الإثارة وهو ما تضررت منه المؤسسات الصحفية التي ترتدي رداء المهنية.
وبحسب ما يشير اليه الخبراء فان المتلقي يكون أكثر تأثرا وتعاطفا مع هذا النوع من الأخبار والمواقف المفاجئة والصادمة المشحونة بنوع من الكراهية بالإضافة لموقف شخصي تجاه قضية ما حيث يميل الأشخاص الى قراءة وتصديق أخبار تدعم مواقفهم وأرائهم عبر تبنيها ومشاركتها، بل ان الأخبار المفبركة تعدّ أكثر قيمة، من منظور نظري للمعلومات "كونها توفر المساعدة الكبرى في عملية صنع القرار"، ومن ومنظور اجتماعي "كونها تنقل الوضع الاجتماعي على يد شخص مطلع ولديه مصادر فريدة داخلية" وبالتالي مساهمة السلوك البشري بشكل كبير في انتشار هذا النوع من الأخبار. لتتفوق الأكاذيب على الحقيقة وتتوغل أكثر وأسرع وأعمق في شبكات التواصل الاجتماعي من المعلومات الدقيقة.
ليجد المتلقي نفسه في رحلة بحث عن الحقيقة في ركام هذا الكم الهائل من الأخبار المتناقضة في كثير من الأحيان باذلا الكثير من الجهد ليكون أكثر فطنة بشأن هذا التضليل والتمييز بين الحقيقة والهراء. وبتزايد معدل ذكاء القراء يزداد ذكاء الدعائيين لتضل المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل غياب حكم حاسم للفوز فيها.
لتخرج كثير من المواقع الإلكترونية عن مسار الصحافة الصحيح ودورها السامي والهام في المجتمع. فلقبا "السلطة الرابعة" أو "مهنة المتاعب" لم يأتيا من فراغ، الأول لدورها الفعال في توجيه وتنوير الرأي العام والثاني لما يتكبده الاعلامي محررا كان أو مصورا من مشقة قبل كتابة ونشر مقال صحفي مبني على أسس مهنية متينة. غير أنه وفي زمن التواصل الاجتماعي عبر التغريد في تويتر والتعبير في الجدار الأزرق اختلط الحابل بالنابل، والإفك بالحقيقة، واختلط ما هو مهني بما هو تجاري، ومزج بين الخبر والإشاعة.
فأخلاقيات المهنة والتي تعبر عن السلوك الواجب الالتزام به من طرف القائمين بوسائل الاتصال تبقى عديمة الفائدة ما لم تترجم الى واقع عملي ملموس خلال الممارسة المهنية. فالمصداقية والشفافية باتتا ضرورتان ملحتان في ظل تحول الشائعات والأخبار المفبركة الى آفة تهد الجميع. ووقف التضليل والأكاذيب بقوة القانون ليس بالحل الأمثل نظرا لقدرة المنصات الإلكترونية في التكاثر والتمدد بسرعة فائقة.
لتبقى الكلمة الأخيرة للتثقيف والتوعية الإعلاميين لمحو أمية الإعلام لدى المراهقين والشباب بصفة خاصة كشكل من أشكال التنشئة الاجتماعية، بحيث يتزود الفرد بحس نقدي متطور في استخدامه لوسائل الإعلام فيما يتعلق بالجانب الجمالي على وجه الخصوص، سواء تعلق الأمر باستقبال الرسالة الإعلامية أو إرسالها أو إنتاجها كدرع متين وحصن منيع للوقاية من هذا النوع من الأخبار.