الأنظمة القمعية والوحشية، قد تحفظ أمن الأنظمة لبعض الوقت، ولكنها لا تقيم دولة ولا حضارة.. ولا تحفظ أمن النظام طول الوقت.. هذا ما حدث في تونس وفي مصر وليبيا مؤخراً.. وقريباً جداً سنشاهد اليمن وسوريا مدرجتين في لائحة "الشرف" الثوري. نظام حكم القذافي كان قد انتهى.. منذ أن اتخذ المجتمع الدولي قراراً بإنهائه.. ثمة أنظمة لا ينفع معها النموذجان المصري والتونسي في التغيير الثوري.. ولعل النظامين الليبي والسوري على وجه التحديد ينتميان إلى هذا الفصيل من الأنظمة التي يعتقد بأن ثمرة التغييرات السياسية الكبيرة بداخلها لا يمكن أن تعتمد على "الداخل" وحده.. وإنما تحتاج إلى دعم المجتمع الدولي، حال التقت المصالح عند حتمية التغيير، ولا تحتاج القوى الدولية، أكثر من صك تقدمه الأنظمة الفاشية ـ والتي صنعت على عين تلك القوى ـ ممهور بدماء الضحايا والشهداء والتي يتم تسويقها "إنسانياً" استدراراً لموقف دولي يتعاطف مع قرار التدخل. ظل الثوار الليبيون يشتكون من "تلكؤ" الناتو.. وتقدمه خطوة، وتراجعه خطوات على الجبهات الشرقية الغنية بالنفظ.. وبدا المشهد وكأن القوى الدولية قلقة" أو غير مطمئنة من "السلاح" الإسلامي المشارك في الخروج الثوري المسلح على حكم العقيد القذافي، رغم أن غالبية أعضاء المجلس الوطني الإنتقالي، كان من قوى ليبرالية قادمة من بلاد المهجر والتي تلقت قسطاً من تعليمها وخبراتها وثقافتها السياسية في الدول الغربية "الديمقراطية". ويبدو أن ليبيا رغم أهميتها كقوة نفطية اقليمية مهمة، لم تحظ بإهتمام كبير، من قبل مراكز الأبحاث الغربية التي تهتم بالشرق العربي في شقه الثقافي.. إذ تظل ليبيا من الدول العربية الفريدة التي لا تعرف "الإحتراب" الأيدلويوجي الشهير بين تيار "تغريبي" علماني وآخر "إسلامي" أو "عروبي" محافظ.. بل إن ليبيا لم تعرف أي شكل من أشكال الخلافات الطائفية.. فهي دولة مسلمة سنية بالكامل لا توجد بها أي طوائف دينية أخرى.. فيما يظل العقل الجمعي الليبي هو الأقرب إلى الحالة المصرية، التي تتسم بالإعتدال والتسامح والتوسط، غير أنه يتميز عن مصر، في البعد الإجتماعي بوحدته على صعيد الرؤية المعتمدة للمرجعية الحاكمة للنظام السياسي، إذ لا توجد تيارات علمانية في نسختها المصرية، ولا أقليات دينية تفرض قلقاً من فحوى الدستور الجديد، وإن كان بها تقسيمة إثنية "عرقية"، موحدةً تحت مظلة الإسلام السني والمذهب الفقي الملكي.. فيما يظل المزاج السياسي العام هو الأقرب إلى المبادئ الليبرالية العفوية المستقاه من البعد الإنساني الراقي للإسلام، إذ تظل النخبة الليبية التي تلقت تعليمها في الجامعات الغربية وتتبوأ مركز القيادة الحالية للثورة الليبية، نخبة متسقة في معمارها السياسي "الليبرالي" مع تكوينها الثقافي والحضاري "الإسلامي". لم يكن ـ إذن ـ ثمة ما يقلق، إلا بعض الدعايات التي أطلقها القذافي بشأن حضور "تنظيم القاعدة" بين الثوار.. وهي أياً كان مدى صدقيتها، خاصة وأنها صادرة من قيادة ليبية غير موثوق بها، إلا أنها عادة ما توضع على أجندة صانع القرار الغربي. في الأسابيع الأخيرة، كثّف الناتو من عملياته وتخلى عن تردده، ومهد الطريق بشكل غير مسسبوق أمام الثوار المتجهين صوب طرابلس.. ثم تسقط الأخيرة فجأة وخلال ساعات!. ولا يمكن فصل هذه التطورات السريعة والكبيرة في ليبيا عما يجري في سوريا.. ويبدو أن ثمة قراراً قد اتخذ بشأن عمل دولي مشابه ضد الديكتاتور الدموي السوري.. وشاء الناتو التفرغ له.. فأثمر انتصاراً كبيراً لثوار ليبيا.. ولليبيا الدولة والشعب. مبروك للشعب الليبي انهاء واحدة من أسوأ فترات تاريخه.. وهي الفترة التي تولى فيها هذا القذافي "المعتوه" سدة الحكم في هذا البلد العربي الغني والذي يملك مخزوناً لا ينضب من أفضل أنواع النفط في العالم.. فسرقه القذافي وأحال بلده إلى "أضحوكة" يتندر بها الجميع.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.