نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الأسباب التي تدفعك إلى فسح المجال لطفلك كي يرتكب الأخطاء.
وقالت الصحيفة، في تقريرها ، إن السماح للأطفال بارتكاب الأخطاء يعزز استقلاليتهم، ويزيد من تحملهم للإحباط، ويعلمهم كيفية إدارة عواطفهم بشكل مناسب.
يعد ذلك جزءا طبيعيا في أي عملية تعلم، وهي عنصر أساسي في تنمية الشخصية خلال مرحلة الطفولة والمراهقة.
وبينت الصحيفة أن العديد من الآباء يسعون جاهدين إلى منع أطفالهم من الوقوع في الخطأ وما يمكن أن ينتج عنه من إحباط. وعلى الرغم من أن الآباء يقومون بذلك عن حسن نية ويمكن تفهم وجهة نظرهم، إلا أن لذلك تأثيرا معاكسا.
وبحسب أماليا غوردوفيل، وهي أستاذة في جامعة كاليفورنيا في لندن وأخصائية الأسرة في مركز غرات في برشلونة، فإنه "عندما يخضع الطفل لحماية مفرطة، لا يتدرب على تحمل الإحباط. وهذا أمر ضروري جدا في مرحلة الطفولة حتى يتمكن المرء من مواجهة المضايقات التي قد يتعرض لها في المستقبل".
وأوردت الصحيفة أن منع الأطفال من ارتكاب الأخطاء قد يكون له عواقب وخيمة على مستقبلهم. وقد أوضحت غوردوفيل أن "ذلك يضعهم في فقاعة تجعلهم غير قادرين على مواجهة العالم. ولكن في يوم من الأيام، سيتعين عليهم الخروج بمفردهم، وإذا تأخرنا في تلك اللحظة، فلن تكون القدرات هي نفسها وسيكون الإحباط أكبر، لأن قدرتهم على إدارة عواطفهم لن تكون مدربة بشكل جيد".
وأكدت الصحيفة أن رأي الخبيرة يتفق مع دراسة نشرت في سنة 2018 في علم النفس التنموي، التي تناولت آثار الحماية المفرطة على نمو الطفل. وقد حلّل هذا البحث لمدة ثماني سنوات تطور حوالي 422 فتى وفتاة في التفاعل مع آبائهم. كانت إحدى ملاحظات المؤلفين أنه عندما قام الآباء بحماية الأطفال من دون إعطائهم خيارا لحل الصعوبات الخاصة بهم، واجه هؤلاء الصغار مشاكل في إدارة عواطفهم، وكان ذلك من بين أمور أخرى تسببت في عدم التسامح مع الإحباط.
وأوضحت الصحيفة أنه سواء تعلق الأمر بالقيام بالواجب المنزلي أو تكوين صداقات أو ممارسة الرياضة، فإننا نستفيد خلال عملية التعلم من الأخطاء التي تحفزنا على إيجاد طرق للقيام بالأشياء بشكل مختلف. في المقابل، تجعل الحماية المفرطة الأطفال أكثر خوفا وأقل استقلالية وأكثر اعتمادا على الآباء.
في مرحلة البلوغ، يمكن أن يصبح الفرد أكثر عرضة للخطر بسبب الحماية المفرطة. وقد بينت غوردوفيل أنه "في بعض الأحيان، سيؤدي ذلك إلى زيادة القلق، وتطور نوع من الرهاب الاجتماعي والاكتئاب ويمكن أن يؤدي حتى إلى الوقوع في علاقات التبعية".
من الأفضل التنشئة بالقدوة
كما هو الحال مع أي جانب آخر من جوانب التربية، يجب على الآباء أن يدركوا أن ما يقولونه ويفعلونه يمثل قدوة لأبنائهم. ولكن من الأفضل أن نشجع أطفالنا بقول "هيا يمكنك القيام بذلك!"، بدلا من القيام بذلك عوضا عنهم، لأننا نمرر بذلك رسالة غير مباشرة لهم مفادها "أنت لا تعرف"، أو "أنت غير قادر على القيام بذلك"، وذلك من شأنه أن يزعزع احترامهم لذواتهم.
وأضافت الصحيفة أن تحقيقا آخر أجرته جمعية علم النفس الأمريكية توصل إلى الاستنتاج نفسه، من خلال مقارنة نمطين مختلفين من التنشئة؛ تلك التي تخضع للمراقبة والأخرى التي تعزز استقلالية الطفل. وقد لوحظ أنه عندما لا تكون الأمهات حاضرات، يكافح أطفال العائلات التي تعزز الاستقلالية لإكمال المهمة التي أوكلت إليهم، بينما يستسلم الأطفال الذين نشأوا في بيئات مراقَبة بسرعة.
وأكدت الصحيفة أنه من الضروري وضع الخطأ في مكانه الطبيعي حتى لا يتوقف الصغار عن محاولة تجربة أشياء جديدة خوفا من ارتكاب الأخطاء. وحيال هذا الشأن، قالت غوردوفيل إنه "عندما أعالج أطفالا هكذا، أسأل الوالدين دائما عن كيفية تعاملهم مع أخطاء أطفالهم؛ لأن البالغين غالبا ما يسيئون التعامل مع المسألة ويخفون الأمر لأنهم يرغبون في أن يكونوا آباء مثاليين. لهذا السبب على وجه التحديد، ينتهي بنا الأمر إلى تربية أطفال شديدي التوتر". لا شك أن الآباء بدورهم يخطئون مثل أي شخص آخر، لذلك فإن من الضروري شرح ذلك للأطفال حتى يدركوا أنه شيء طبيعي.
ونقلت الصحيفة عن الخبيرة قولها إنه "إذا كان لديّ طفل يخطئ دائما وأخبره بأنه غبي، فسيشعر بأن ارتكاب الأخطاء أمر عقابي وغير مقبول لأن والده يغضب منه". إلى جانب ذلك، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن التدريب على التسامح مع الإحباط ليس شيئا حصريا للأطفال، حيث يجب أن ترى أيضا كيف يتحمل الآباء أخطاءهم.
وبينت الصحيفة أن هناك عاملا مهما آخر ينبغي أخذه بعين الاعتبار، وهو التحلي برؤية إيجابية للمحاولة. في هذا الصدد، تقول خبيرة علم النفس مارتا رينوسو إنه "بقدر ما يشعر الشخص بقدراته، فسيتخذ إجراءات من تلقاء نفسه لتحقيق ما يريده أو يحتاجه. إنها عملية تعلم وتدريب، حيث يجب الاعتراف بالنجاحات الجزئية والمقاربات التي تحقق هذا الهدف النهائي".
كيف تعزز استقلالية طفلك؟
من بين الأسباب الأخرى التي تسمح لنا بفسح المجال أمام الأطفال لارتكاب الأخطاء دون تدخل هو اكتساب المرونة في مواجهة الأحداث غير المتوقعة، وهو أمر أساسي بالنسبة لهم عندما يكبرون. لهذا السبب، يوصي المتخصصون بتعزيز استقلالية الطفل، وأن نطلب منه فعل ما هو مناسب لسنه، مثل القيام بالأعمال المنزلية أو المهام خارجه.
ونقلت الصحيفة عن غوردوفيل أنه "إذا قمت بتعليم طفل يبلغ من العمر أربع سنوات أن الملابس القذرة تذهب إلى مكان معين، فيمكنك القيام بذلك. وإذا قام برمي زجاجة الحليب، أو كان لديه نوبة غضب وقرر تفكيك وإلقاء أحجية على الأرض، فعليه أن يلتقطها". سيكون من الملائم أيضا تجنب المواقف التي تعجز فيها الأم أو الأب عن التحكم في الغضب، على الرغم من حقيقة أنهم في بعض الأحيان يريدون القيام بذلك لحل الموقف بسرعة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من الواضح أن الأمر لا يتعلق بأن نأمر صبيا يبلغ من العمر ثلاثة أو أربعة أعوام بالتقاط أشيائه، لأنهم لا يعرفون ذلك بعد. بدلا من ذلك، تتمثل أفضل طريقة في البدء بمرافقته وتقديم نموذج لهم. فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن يعرف كيف يقوم بإعداد حقيبة المدرسة، ساعده في إعدادها، ثم قم بإعداد قائمة بالمهام التي يمكن القيام بها بمفرده ثم يشرف عليه الأب أو الأم.
وفي الختام، أوضحت الصحيفة أنه يجب أن نتذكر أن الأطفال يمكنهم القيام بأشياء كثيرة، وأن طريقتهم الطبيعية في التعلم هي اللعب، لذلك إن طلب ذلك منهم بطريقة ممتعة، مثل التقاط الألعاب عن طريق غناء أغنية، فيمكن أن يكون مفيدا جدا.