يقلم /أحمد أبو زهري
تتصاعد الأخطار وترتفع نسب الضحايا من جراء تطور هذا الوباء وقدرته على الانتشار والتمدد في بلدان العالم بشكل يثير الرعب ليس فقط في أوساط المواطنين بل في المستويات العليا في الدول، لأن هذا العدو الفتاك وصل إلى درجة الذروة والخطر الجسيم بعد اقتحامه قصور الملوك ومقرات صناع القرار.
وداهم حاملات الطائرات الضخمة متسللًا دون أن تراه رادارات شيدت لصد أي عدوان بطريقة تقنية متطورة وحديثة طالما تغنت بها الدول وأنفقت على تطويرها أو شراء معداتها بموازنات مهولة، فعلًا إنها صدمة للعالم وهو يرى مجده ينهار، ومنظومته تتهاوى دون أن يجد طريقة ما لوقف هذه الحرب.
ويبدو أن هذا الوباء قد اختار إنهاك العالم على طريقته الخاصة، ولا يزال يتسلح من جديد لشن هجمات أخرى، وفي هذه الأثناء إن البشرية تقاتل باستماتة للبقاء ودفع هذا الموج الهادر من البلاء، وتطالعنا الأخبار كيف تتجند طواقم ومؤسسات الدول وتعيش في ظروف استثنائية طارئة كأنها ساحة حرب يحمل فيها رجال الوطن سلاحهم.
فكلٌّ يخشي سقوط القلاع، فإذا سقطت حصوننا وقلاعنا فكيف يمكن لنا أن نعيش ونحن بعيدون عن المصير المحتم (الموت) الذي سيكسر حينها عقارب عداد الإصابات ليضع إحصائيات جديدة بعشرات بل مئات الآلاف، وربما يذهب ببعض الدول إلى أشبه بمصير الإبادة.
لكم أن تتخيلوا كيف تتغير الأحداث لحظة بلحظة؛ فالدول تتلقف الصدمات نتيجة حالة الاستخفاف وعدم المبالاة التي يعيشها مواطنوها، ممن سادت عندهم سقافة السخرية من الوباء وجعله فرصة للفكاهة والتندر، والأخطر من ذلك عد بعض أنه مجال لـ"شو" التحدي، تحدي المخالطة وكسر احتياطات السلامة الصحية.
وتعلمون كم دفعت الصين ثمنًا جعلها تقف فورًا وتراجع نفسها وتتخذ فجأة إجراءات حديدية صارمة بـ(العزل القصري) وتفعيل الحظر الشامل ومنع المخالطة والحركة والتنقل بالقوة، ووضعت محددات قاسية تجاه المخالفين جعلت من السهل إعادة الوضع إلى نصابه الصحيح.
الأمر الذي مكنها من تطويق المرض والحد من انتشاره وخفض سلم الإصابات والوفيات، ومع ذلك إن المأساة أيضًا جعلت الشعب الصيني يلتزم وينضبط في حركته ويتقيد بالتوجيهات الكفيلة بإحاطة الأشخاص بالأمن والسلامة، فلا تكاد ترى صورة إلا وتجد فيها انتشارًا للكمامات الطبية على وجوه الشعب الصيني، إضافة إلى وسائل أخرى منها التعقيم المنزلي واستخدام المطهرات اليدوية.
والأمر ليس بعيدًا عن (إيطاليا وإيران) اللتين دفعتا فاتورة باهظة من أرواح مواطنيها من جراء اكتساح المرض وانتشاره بشكل مخيف مخلفًا آلاف الإصابات ومئات الوفيات، لتنهار الأنظمة الصحية لديهم وتستنفد القدرات الأمنية وتتهاوى الموازنات، ونشهد مناشدات عاجلة من كلا البلدين لتوفير المعونة العاجلة.
نعم فقدت هذه الدول السيطرة؛ فقد طالبت إيران برفع العقوبات عنها وتمكينها من المساعدات الدولية ودعمها بقرض دولي يمكنها من حماية مصالحها ومواطنيها، وإلى جانبها إيطاليا التي عايشت وتعايش ثورة الجنازات وهي تحطم الأرقام القياسية في أعداد الوفيات ومراسم الجنازات العسكرية التي لا تتوقف وهي تسير بأرتال الموتى إلى المحرقة.
وها أنتم تشاهدون سيدة العالم (أمريكا العظمى) تأن من الجراح وتصرخ بعد طوفان المرض الذي داهمها، وقد كانت إدارتها الحمقاء تحسب أنها قوية وبعيدة بل مسيطرة على "ريموت" التوجيه في هذا العالم، لتنكشف أمام العالم ويدخل نظامها الصحي في حالة استنزاف مكلفة ومرعبة، وقد تصدرت شاشات الأرقام والإحصائيات، وعدت كبرى مدنها مدنًا منكوبة.
إنه ثمن الاستخفاف ونتيجة حتمية لحالة عدم المبالاة التي أدت إلى نتائج مفجعة تجعل الكيس يقف مع نفسه ويلزم بيته؛ فما من كبير أمام فيروس مدمر وقاتل هو العدو الأول للبشرية يسابق الزمن لمحاولة إفناء هذا العالم وتدمير حضارته، فما أحوجنا للالتزام بتدابير الوقاية ونحن نعايش هذه الأحداث الخطيرة ونراقب مصير دول عظمى تسبقنا بسنوات ضوئية تستغيث من الخوف وتفقد السيطرة وتقف مترنحة وعاجزة.
فنحن في غزة ليس لدينا أدنى المقومات الصحية، ونرزح تحت حصار مطبق، والخطر بالباب بعد دخول أعداد غفيرة من العالقين، فلا ندري كم بقي من الوقت لنصل إلى ما وصلوا إليه. فحذار -يا إخوتي- أن يقتل بعضنا بعضًا ونبدأ تسيير الجنازات كما الدول، عودوا إلى بيوتكم وكونوا أحرص من ذلك؛ فلسنا في حالة تمكننا من اللهو واللعب والمخالطة؛ فإن تهاون بعضنا في عمله ومؤسسته ومنطقته، وتجاهله أدوات الوقاية (الكمامة) أو (المعقمات)، والاستمرار في المصافحة والمخالطة؛ ستكون نتيجته الحتمية إشعال النار في هذا البلد الذي عجز الاحتلال عن تركيعه بسبل شتى.