وُجّهتْ انتقاداتٌ إلى صحافة صانع المحتوى بوصفها تفتقر إلى الموضوعيّة، حيث يشعر الصّحفيون التّقليديّون بالقلق من صحافةٍ لا تتحقّق من صحّة الأنباء بسبب كون المواطن الصّحفيّ "هاويًا" تعوزه الواقعيّة. ولعلّ ما يبعث على القلق بهذا الشّأن هو أنّه قد يزداد احتمال نشر أصحاب المدوّنات لإشاعات كاذبة، قد يكون لها أخطارٌ كبيرةٌ خصوصًا على استقرار مجتمعاتٍ ديمقراطيةٍ، لأنّه من الصّعب تعقّب الخطأ إن كان من غير الممكن الرّبط بين الخبر المنشور على المدوّنة والاسم الحقيقيّ لشخص ما. كما أنّ هناك قلقًا لدى البعض من أن يكون الفرق بين الدّيمقراطيّة الرقميّة والديمقراطية الغوغائيّة مجرّد بضعة أحرف، فإذا كان من المثير للإعجاب تمكّن النّاس من تنحية رئيسٍ فاسدٍ عن الحكم بتأثيرٍ من صحافة صانع المحتوى، فما الذي سيمنع النّاس من استعمال هذه التّكنولوجيا نفسها لإسقاط حكومةٍ منتخبةٍ ديمقراطيًّا، تنفّذ سياسات لا تلقى تأييدًا شعبيًّا على المدى القصير لكنّها قد تعود بالفائدة على البلد على المدى الطويل.
إنّ انتشار منصات الميديا الاجتماعيّة بشكل واسع، وكثافة مضمونها لا يخلو رغم الإيجابيّات العديدة من بعض السّلبيّات التي قد تصل أيضًا إلى المسّ بالأمن العام والثقافيّ والحضاريّ والسّياديّ للمجتمع ضمن سياقات الممارسة الإلكترونيّة والافتراضيّة وإنتاج المحتوى متعدّد الوسائط "الملتيميديا"، هذا فضلًا عن عدم خضوعها للرّقابة في ظلِّ ضعف الأنظمة واللوائح والقوانين التي تنظّمها، إذ لم تواكب التشريعات الفلسطينية أساليب عمل صحافة صانع المحتوى وتطوّراتها حتّى تتمكّن من ضبط أساليب مراقبتها في حال قيامها بتجاوزات، كخرق الملكيّة الفكريّة باعتبار هذه الصحافة تنتهج سياسة الاستنساخ من الصّحف العالميّة والمحليّة ووكالات الأنباء، واستبدال أسماء المحرّرين والكُتّاب بأسماءٍ أخرى لا علاقة لها بإنتاج تلك المضامين في أحيانٍ كثيرةٍ.
إذًا، إنّ إشكاليّة صحافة صانع المحتوى ليست تقنيّةً فحسب، أي أنّها لا تنحصر فقط في قضايا النّفاذ الاجتماعيّ إلى التّكنولوجيّات الجديدة (قضايا الفجوة الرّقميّة) في مسائل التّنظيم المتّصلة بالتّشريع لاستخداماتها المختلفة والحرّيّات التي تقتضيها أو في إشكاليّة الإنتاج الثّقافيّ ودمقرطة التّعبير، إنّها تحيل كما هو الشّأن بالنّسبة إلى الإعلام والاتّصال بشكلٍ عام على مسألة أكثر عمقًا تتّصل بالعيش المشترك أي بمعنى آخر بالأدوار التي يمكن أن تؤدّيها في ديناميّة المجتمع لذاته. وهي على هذا النّحو وثيقةُ الصّلةِ بإشكاليّة "النحن" في معناها الشّامل والمجرّد: كيف نعيش معًا؟
ونخلص إلى إنّ صلة إشكاليّة صحافة صانع المحتوى بالمسألة الإخباريّة بالمعنى الشّامل، يفتح لنا أفق التفكير في مدى مساهمتها في إيجاد أنماط اتصاليّة جديدة، إلا أنّ التّفكير ضمن هذا الأفق يقف أمام مسلكيّن: فإمّا أن نقنع بالرّؤية الأداتيّة والوظيفيّة السائدة التي تعمل جاهدة ًبوسائل مختلفة على أن تكون الميديا الجديدة أدوات للتّوصيل والإبلاغ والتّأثير والتّرفيه والمنفعة وخاضعةً للمنطق السلطوي العتيق الذي يتملّك الاتّصال وفضاءاته ووسائطه باعتباره مجالاً حيويًّا، يقتضي استراتيجيات الاستحواذ على مواد التّواصل الإنسانيّ من خلال الإقصاء والتّهميش، وإما أن نطمح إلى أن تكون صحافة صانع المحتوى مجالاً جديدًا تتشكّل بفضله الجماعة بواسطة إمكانات الحوار والتّعبير والنّقاش والتّبادل والتداول التي تتيحها. وعلى هذا النّحو فإنّ التفكير النّظري بها مرتبطٌ باستكشاف هذين المسلكين: إعادة إنتاج العالم القديم وقد تجدّدت سلطاته ولغته مرتديةً أثوابًا جديدة ً، أو انبلاج ما هو مختلف وجديد في الإعلام يمكن أن نستثمره لتأسيس نمطٍ جديدٍ من العيش المشترك، يقوم على التّعاقد والتّواصل والتّكامل والتّعاون.