مرة أخرى تطفو على السطح قضية زيارة رئيس الوزراء التركي "طيب رجب أردوغان" إلى غزة، خاصة مع قرب زيارته إلى القاهرة وفي ظل حالة التوتر القائمة بين تركيا والاحتلال الإسرائيلي، بعد تقرير "بالمر" العنصري والمنحاز وغير القانوني وما تبعه من رفض الاحتلال الاعتذار لتركيا عن جريمة "مرمرة"، وطرد السفير الإسرائيلي وتجميد الاتفاقيات والإجراءات الجديدة المتخذة في المطارات التركية بحق الإسرائيليين القادمين إلى أراضيها. ما يعنينا في هذا المقام هو زيارة "أردوغان" لغزة والتي باتت تثار كل فترة من الزمن وكأن الحديث عن الزيارة بات مرتبطاً بدرجة التوتر مع الاحتلال، حتى كدت أظن أن الحديث عبر الإعلام عن زيارة "أردوغان" لغزة كأنه وسيلة ضغط على الاحتلال، وورقة مساومة حتى يقدم الاعتذار لتركيا عن جريمة أسطول الحرية. الحقيقة أن الموقف التركي حتى اللحظة موقف شجاع ومتقدم على مواقف كثير من الدول العربية والإسلامية، سواء على صعيد الدعم المباشر الفلسطينيين وخاصةً قطاع غزة، أو من خلال المواقف السياسية المتقدمة وعلى رأسها الشكوى إلى محكمة العدل الدولية حول حصار قطاع غزة، وما بين الأمرين أمورٌ كثيرة تدلل على أن هناك تطوراً كبيراً في الموقف السياسي التركي مختلفاً وجديداً في ظل حكومة "أردوغان". زيارة "أردوغان" إلى غزة أنا كفلسطيني أعدها أمنية، وأتمنى أن تتحقق على أرض الواقع وألا تكون فزاعة في وجهة الاحتلال؛ ولكن أن تكون هدفاً استراتيجياً في السياسة الخارجية التركية يؤسس لواقع جديد في التعامل مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بعد أن فقد الثقة بموقف عربي مساند للحقوق الفلسطينية. زيارة شخصية وازنة إقليمياً ودولياً مثل رئيس الوزراء التركي لها مدلولات كثيرة وتؤسس بشكلٍ فعليٍ وعمليٍ لخطوةٍ سياسيةٍ كبيرةٍ في كسر الحصار عن غزة، وستكون محركاً لعدد من الشخصيات العربية والإقليمية والدولية في التفكير الجاد للقيام بزيارة إلى غزة، تماثلاً مع زيارة "أردوغان"، وهذا سياسياً يعد انتصاراً لصمود الشعب الفلسطيني. لكن علينا أن نكون واقعيين وأن ننظر إلى الموضوع بشكلٍ سياسيٍ له علاقة بمنظومة المصالح التركية، وعلينا أن نسأل سؤالاً هل تركيا وأردوغان على استعداد لتحمل نتائج زيارة غزة على المستوى الدولي وتحديداً العلاقات التركية الأمريكية؟، من وجهة نظري المتواضعة، تركيا غير جاهزة لتحمل هذه النتائج، و"أردوغان" لا توجد لديه نية حقيقية لزيارة غزة، ولا نعتقد أن زيارة غزة في هذه الأوقات على جدول أعماله، وعادة الخطوات السياسية ذات الوزن الثقيل لا تؤخذ دفعةً واحدةً بل تتم على مراحل وعلى نظام الخطوة خطوة، لأن كل خطوة لها نتائج تتناسب وحجمها، وليس من المنطقي والمعقول أن تتخذ عدة خطوات مرةً واحدة لأن الموقف لن يتحمل نتائجها المترتبة عليها، ويجب ألا ننسى أن الخطوات التركية متخذة ضد (إسرائيل) وهذه يجب أن نتوقف أمامها جيداً. علينا أن نكون واقعيين وألا ننتظر من تركيا خطوات كبيرة دفعةً واحدة، وزيارة غزة هي واحدة من هذه الخطوات الكبيرة التي لن تقدر تركيا على مواجهة تبعاتها، وعليه يجب ألا نحمّل الحكومة التركية أكثر مما تحتمل في ظل هذه الظروف، وفي نفس الوقت يجب أن لا تكون آمالنا كبيرةً جداً ومخالفةً للمنطق والعقل. لن يأتي "أردوغان" إلى غزة وسيكتفي في المرحلة الحالية باللعب على الوتر السياسي والمواقف المساندة والمؤيدة، إلى جانب الدعم المادي واللوجستي لقطاع غزة، أما الزيارة إليها ربما تتحقق في مرحلة لاحقة قد لا تكون قريبة، رغم أهمية هذه الزيارة وأثرها الفاعل على الموقف الفلسطيني وكسر الحصار؛ ولكن يجب ألا نغفل أن هناك أضراراً قد تصيب تركيا سياسياً واقتصادياً وأمنياً هي في غنى عنها، ونحن في حاجة إلى تركيا مستقرة وقوية.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.