يصادف اليوم السبت، الخامس من حزيران 2021، الذكرى الـ54 لـ”النكسة”، فيما تتصاعد جرائم الاحتلال وسياساته ومحاولاته البائسة لترحيل الفلسطينيين واقتلاعهم، وبشكلٍ خاص في مدينة القدس المحتلة، كما يحدث حالياً في الشيخ جراح وسلوان والبلدة العتيقة، إلى جانب مواصلة استهداف المسجد الأقصى وتكثيف الاعتداءات والاقتحامات للمستوطنين المدعومين من حكومة الاحتلال وبحماية جيشها.
وعلى رغم ذلك، فإن هذه الجرائم يواجهها الشعب الفلسطيني بصمودٍ وثبات وتماسك، وما خروج الفلسطينيين في البلاد بأكملها وفي الشتات خلال الهبة الأخيرة والمتواصلة لنصرة القدس والوقوف في وجه جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وفي الضفة الفلسطينية إلا دليلٌ على وحدة هذا الشعب وترابطه في وطنه التاريخي وفي المنفى والشتات، وأنه أكثر إصراراً على الحرية.
في نكسة حزيران عام 1976، استكملت إسرائيل احتلال بقية الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، والجولان من سوريا، وسيناء من مصر، بعد حرب دارت بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن عام 1967، وأُطلق عليها كذلك “حرب الأيام الستة”.
لم تقبل إسرائيل بمنطق السلام، ورفضت قرارات منظمة الأمم المتحدة وتحدت ميثاقها وانتهكت مبادئها، وواصلت الاستيلاء على الأراضي ونهبها لصالح الاستيطان الاستعماري.
ونتيجة النشاط السياسي الدولي، وبصورة خاصة رغبة الحكومة الفرنسية آنذاك في عدم اللجوء إلى القوة، تعهدت مصر وسورية والأردن بعدم شن الحرب وإيقاف الاستعدادات العسكرية، إلا أن القيادة العسكرية الإسرائيلية، وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية، استغلت هذا الظرف، وقامت بعدوانها المباغت صبيحة 5 حزيران 1967.
احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية (5878 كم2) عام 1967، إثر انسحاب القوات الأردنية وعودتها إلى الشرق من نهر الأردن، وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كلم إلى 480 كلم (من بينها 83.5 كم طول البحر الميت).
وإضافة إلى ذلك، نهبت إسرائيل الكثير من ثروات الضفة الغربية، خاصة المائية منها، وباشرت بعمليات تهويد للقدس بطريقة مخططة ممنهجة، واستطاعت باستيلائها على مساحات شاسعة من أراضي الضفة تحسين وضعها الاستراتيجي والأمني والعسكري، وإزالة أي خطر عسكري كان من الممكن أن يتهددها، أو وجود أي جيش عربي منظم ومسلح في الضفة الغربية، التي تُعد القلب الجغرافي لفلسطين التاريخية.
استشهد 15 ألف– 25 ألف عربي، مقابل مقتل 800 إسرائيلي، وتم تدمير 70- 80% من العتاد الحربي في الدول العربية، إضافة إلى صدور قرار مجلس الأمن رقم 242، وانعقاد قمة اللاءات الثلاث العربية في الخرطوم، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة، بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
وتضاربت المعطيات والأرقام بشأن أعداد الأسرى والمفقودين جراء الحرب، فقد أورد الباحث الفلسطيني عارف العارف أن أكثر من 6000 فلسطيني اعتُقلوا خلال الحرب، وأن أكثر من 1000 شخص قد أُبعدوا إلى خارج الوطن، فيما ذكر الرئيس جمال عبد الناصر، كما ورد في كتاب “حرب 67” للباحث أحمد العلمي، أن عدد الأسرى المصريين قد بلغ 11 ألف أسير مصري، وأن أكثر من 200 منزلاً تم نسفها في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
هزيمة الجيوش العربية على كافة الجبهات أدت إلى بروز ظاهرة الفدائيين والمقاومة لسلطات الاحتلال، حيث ظلت مقاومة الفلسطينيين للحكم العسكري الإسرائيلي سمة ملازمة للاحتلال، وتفجرت أشكال مختلفة من المقاومة قادت إلى زيادة البطش الإسرائيلي من إبعاد رؤساء بلديات وجامعات وإجلاء السكان وتهجيرهم وزج الآلاف في السجون في محاولة لفرض إجراءات وقوانين الحكم العسكري على السكان الفلسطينيين.
الواقع القانوني بعد الحرب
سيطر الاحتلال على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في المناطق المحتلة في أعقاب حرب 1967، فقد صدر الأمر العسكري رقم 2 لسنة 1967 الذي نص على إلغاء أي قوانين سارية المفعول في المناطق المحتلة في حال تعارضها مع الأوامر الصادرة عن إدارة الاحتلال.
وبعد نشر الأمر العسكري رقم 347 لسنة 1981 نقلت جميع الصلاحيات القانونية والإدارية إلى ما سمي “الإدارة المدنية”.
ومنذ عام 1967، احتفظت المحاكم العسكرية واللجان العسكرية المشكلة بولاية كاملة على قضايا ومسائل جنائية معينة، وجميع منازعات الأراضي والضرائب والمصادر الطبيعية، وبمعنى آخر تناولت الأوامر العسكرية تنظيم كافة جوانب الحياة.
وبدأت تخضع إجراءات اعتقال الفلسطينيين في المناطق المحتلة وطريقة معاملتهم لسلسلة من الأوامر العسكرية تصدر عن القادة العسكريين في كلٍّ من الضفة وغزة.
وترفض المحاكم العسكرية الإسرائيلية تطبيق تعليمات القانون الدولي، بالرغم من أن القوانين الدولية تلزم الدول المحتلة بتطبيقها، وترفض التعامل مع الأسرى كأسرى حرب، وتتعاطى معهم كمجرمين وإرهابيين وتفرض عليهم أحكاماً قاسية.
نفذت إسرائيل خطتها العدوانية بتوجيه ضربة جوية كثيفة ومباغتة للمطارات العسكرية وللطيران الحربي المصري والسوري والأردني، فمكّنت الطيران العسكري الإسرائيلي من توفير السيطرة الجوية على أرض المعركة طيلة مدة الحرب.
وفي الفترة بين 5-8/6 انتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي للهجوم، موجهة الضربة الرئيسية على الجبهة المصرية، والضربة الثانوية على الجبهة الأردنية، في الوقت الذي انتقلت فيه للدفاع النشط على الجبهة السورية مع توجيه الضربات النارية بالمدفعية والطيران لمواقع الجيش السوري في الجولان طيلة تلك الفترة.
وتابعت إسرائيل هجومها يوم 10/6، على رغم صدور قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وغذت المعركة بقوات جديدة من الاحتياط، خاصة من القوات التي كانت تعمل على الاتجاه الأردني.