لا يزال قرار سلطة جماعة الحوثي في صنعاء، بحجز أموال وأرصدة بنك التضامن الإسلامي، الذي تديره أكبر مجموعة تجارية باليمن، من أكثر المواضيع تداولا وإثارة للقلق، رغم تحذيرات البنك ذاته من تبعات ذلك.
وقال الخبير المالي والاقتصادي اليمني، ياسر المقطري إن هذا الإجراء نتيجة من نتائج الانقسام الحاصل في القطاع المصرفي والقرارات المزدوجة.
ورأى المقطري أن قرار الحوثيين خطوة غير محسوبة أقدموا عليها تهدد نشاط القطاع المصرفي برمته، في الوقت الذي تحاول البنوك فيه إعادة الثقة بها جراء أزمة السيولة وانعدام الثقة التي تعرض لها القطاع منتصف العام 2016.
وبحسب الخبير المالي اليمني فإن "القطاع الاقتصادي يدفع ثمن نتائج تجريف الاقتصاد الرسمي لصالح الاقتصاد الموازي الذي يتوسع يوما بعد يوم، ويجد فيه أطراف الصراع مساحة واسعة، لتمويل عملياتهم وفرز رؤوس أموال جديدة".
وأكد المقطري على ضرورة تحييد القطاع المصرفي والاقتصادي بشكل عام من أي إجراءات، تؤثر على مهنيته وثقته أمام المجتمع المحلي والبنوك الأجنبية، والقطاع المالي العالمي ومن أي طرف كان.
وعن خيارات بنك التضامن الإسلامي في التعامل مع قرار الحوثيين، أشار الخبير الاقتصادي اليمني إلى أن القضية أصبحت أمام الرأي العام المحلي ومكشوفة لكل الأطراف، موضحا أنها "يمكن أن تكون فرصة لخلق رأي جمعي بضرورة تحييد القطاع المصرفي وإعادة النظر في الإجراءات المزدوجة وسرعة التوصل إلى حلول توحد القطاع المصرفي الذي انعكست آثاره على مختلف فئات المجتمع".
وأول أمس الأربعاء، حذر بنك التضامن، في رسالة وجهها إلى إدارة البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثي بصنعاء، من تبعات قرار السلطة التابعة للحوثيين في صنعاء بحجز جميع أموال وأرصدة البنك على القطاع المصرفي واقتصاد البلاد.
وقال البنك الذي تديره مجموعة شركات هائل سعيد أنعم، إن لجنة العقوبات الدولية حذرتنا من مغبة التعامل مع قرارات النيابة الجزائية ومع الحارس القضائي، واعتبرت أن تنفيذنا للقرارات الصادرة عنها يندرج تحت بند غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي الأيام الماضية، وجه الحوثيون مذكرة عبر النيابة الجزائية التي يديرونها في صنعاء إلى بنك التضامن بنقل أموال تقدر بالمليارات من ثلاثة حسابات تابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي، وتحويلها فورا إلى حساب جديد في البنك المركزي الذي يسيطرون عليه في صنعاء.
وفي أول تعليق رسمي من الحكومة اليمنية، قال وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الارياني إن قرار الحوثي امتداد لنهجها القائم على استهداف القطاع المصرفي وتدمير العملة والاقتصاد الوطني.
"نهب وتدمير للاقتصاد"
واعتبر الارياني أن قيام مليشيا الحوثي المدعومة من إيران بحجز كافة أموال وأرصدة بنك التضامن، أكبر البنوك التجارية في اليمن، المملوك لمجموعة هائل سعيد أنعم في جميع منشآت وشركات الصرافة بمناطق سيطرتها، امتداد لنهجها القائم على استهداف القطاع المصرفي ونهب رجال المال والأعمال، وتدمير العملة والاقتصاد الوطني.
وأضاف وفق ما نقلته وكالة "سبأ" الحكومية، الأربعاء، أن القرار يأتي بعد 6 أعوام من تعطيل البنك المركزي اليمني في العاصمة المختطفة صنعاء ونهب الخزينة والاحتياطي النقدي، وابتزاز ونهب البنوك التجارية وشركات الصرافة.
وحذر وزير الإعلام اليمني من تبعات ذلك، وقال إنه يهدد بآثار مدمرة على الجهاز المصرفي، ونهب مدخرات المواطنين، ووقف ما تبقى من نشاط اقتصادي وتجاري بمناطق سيطرة المليشيا.
وأشار إلى أن "هذه الممارسات تؤكد من جديد انتهاج مليشيا الحوثي التي وصفها بـ"الإرهابية"، سياسة الإفقار والتجويع للمواطنين ومفاقمة الأزمة الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها".
وأردف المسؤول اليمني قائلا: تمضي الحوثي في أعمال السلب والنهب المنظم لتمويل أنشطتها الإرهابية المزعزعة لأمن واستقرار اليمن واستهداف الجوار وتهديد المصالح الدولية.
وطالب وزير الإعلام والثقافة اليمني، المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بالتدخل وإدانة هذه الممارسات الإجرامية، والتحرك العاجل للضغط على مليشيا الحوثي لوقف استهدافها الممنهج للقطاع التجاري والمصرفي.
كما دعا إلى وضع حد لسياساتها التدميرية لكل مقومات الحياة، والتي تؤدي إلى توسيع رقعة الفقر والمعاناة الإنسانية لملايين اليمنيين.
ويوم الاثنين الماضي، أصدرت إدارة فرع البنك المركزي بصنعاء، الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي، بلاغا رسميا، يقضي "بحجز جميع أموال وأرصدة بنك التضامن الذي تديره مجموعة شركات هائل سعيد أنعم، أكبر بيت تجاري، وأحد أعمدة القطاع المصرفي والاقتصاد في البلاد".
ولا يعد هذا الإجراء من قبل الحوثيين هو الأول، بل سبق أن تعرض البنك في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، للإغلاق وإيقاف نشاطه المصرفي بالعاصمة صنعاء، وفق بيان للبنك ذاته.
وقال بيان بنك التضامن إن "هذا الإجراء كان له أسوأ الأثر على عملاء البنك، وعلى المنظمات الدولية، التي تقدم خدمات المساعدة الإنسانية للمجتمع اليمني، وتتخذ من البنك شريكا في إيصال هذا الدعم". فيما بررت الجماعة الحوثية قرارها ضد البنك بـ"ممارسته أنشطة تضر باقتصاد البلاد".
يشار إلى أن القطاع المصرفي اليمني يواجه أخطر أزمة منذ بدء الحرب، نتيجة لإجبار البنوك على الإغلاق، وإقحامها في الصراع الدائر، فيما تواصل العملة المحلية انهيارها أمام العملات الأجنبية، وسط غياب أي بوادر لوقف هذا النزيف الذي ألقى بظلاله على الأوضاع المعيشية لليمنيين.